و أمّا غير العالم الربّاني فليس له هذا التوحش عن أهل الدنيا و
الخوف و الخشية و الموت الإرادي عن مرغوباتها و الرياضة البدنيّة بالأعمال و
العبادات، و النفسيّة بالأفكار و التأمّلات. لاشتغال هؤلاء بما يوجب تقوية القوى و
تمشية الهوى و الركون إلى أهل الدنيا و الإخلاد إلى الأرض السفلى و الانسراح إلى
مراتع الحظوظ النفسانيّة بالحكومة و الفتوى و الاغترار بظواهر الرخص الشرعيّة، حيث
لم يقفوا على كنه الأمر و لا لهم الخوض و الإمعان في غرض الشارع منها بحسب الغاية
القصوى.
فأكثر الخلق كما أخبر اللّه عن حالهم بقولهوَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ
تَرَكُوكَ قائِماً و قولهيا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلًا فلم يبق منهم
مع خطيب الأنبياء إلّا قليلا، و أهل اللّه في غاية الندرة و القلّة، و هم العارفون
بأن ما عند اللّه خير من اللهو و من التجارة و من الدنيا و مستلذاتها و من الجنّة
و مشتهياتها. و هم الذين لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و إقام الصلوة
لعلمهم بأنّ ما عند اللّه خير لأولي و الألباب.
الإشراق الثاني [مراتب الذكر و الذاكر]
قال اللّه تعالى لنبيّه:وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [73/ 8] و
قال نبيّه صلّى اللّه عليه و آله: ألا أنبّئكم بخير أعمالكم، و أزكاها عند مليككم، و أرفعها في
درجاتكم، و خير لكم من إعطاء الورق و الذهب، و خير لكم من أن