فللإشارة إلى هذه المراتب المقتضية لقبض الأرواح و جذب النفوس إلى
اللّه تعالى وقعت نسبة التوفّي تارة إلى اللّه تعالى، و تارة إلى الملك الروحاني و
إلى ملائكة هي دونه في الرتبة، و تارة إلى رسل اللّه، و تارة إلى النفس، تارة إلى
الطبيعة المسخّرة- كما في هذه الآية- تنبيها على اختلاف هذه النشآت و تعدّد
العوالم و تفاوت الدرجات للإنسان.
لكن يجب على الناظر المتأمّل أن يعلم ممّا أكثرنا ذكره و كرّرنا
إثباته في توضيح أسرار بعض الآيات أنّ كلّ فعل إذا نسب إلى الباري القيّوم يكون
بالحقيقة لا بالمجاز 22،
و
إن نسب إلى ما سواه يكون بالمجاز، و ذلك لأنّ الأسباب مستهلكة الذوات و المهيّات
عند مسبّبها، فإذا سمعت مثل قوله تعالى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها فاحمله على الحقيقة في التوفّي، و إذا سمعت مثل
قوله:قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
مَلَكُ الْمَوْتِ فاحمله على
المجاز.
فالكامل في العرفان من كان في حدقة عرفانه نوران: نور التوحيد، و نور
الحكمة. و لا يطفي أحدهما نور الآخر، فبأحد النورين ينظر إلى توحيده تعالى، و
بالنور الآخر ينظر إلى حكمته في ترتيب الأسباب للمسبّبات، و يرى كثرة صور الأعيان
التي هي مظاهر الأسماء في وحدة وجوده و فيض جوده.
و أكثر الناس ممّن يشغلهم شأن عن شأن، فمنهم من راعى جانب التوحيد في
الأفعال، فاهمل رعاية الحكمة و الترتيب كالأشاعرة المنكرين للقول بالعلّة و
المعلول و ترتيب الأسباب- أولم يتدبّروا في خلق السموات و الأرض و ما بينهما من
عجائب الحكمة و بدائع الفطرة، و قد قال سبحانه:
وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما
لاعِبِينَ [44/ 38] و قال تعالى:
نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 7 صفحه : 219