المسلك الثاني: إنّ للحقّ تعالى معية ثابتة مع جميع الموجودات، و
ظهورا خاصّا منه في كل الهويّات، ليس كمعيّة جوهر مع جوهر، أو جوهر مع عرض، أو عرض
مع أحدهما، بل أشدّ من جميع المعيات حتّى معيّة الوجود مع الماهيّة، فلا يكون
ممازجا و لا مواصلا و لا مغايرا و لا مفاصلا و لا متّحدا كاتّحاد موجود بموجود، و
لا كاتّحاد ماهيّة متحصّلة بماهيّة متحصّلة: بل كما
قال إمام الموحّدين و مقتدى العارفين، أمير المؤمنين عليه السّلام: «مع كلّ شيء لا بممازجة، و غير كلّ شيء لا بمزايلة» [4].
فكلّ موجود من الموجودات كقطرة في بحر وجوده 4، و ذرّة متواصلة في إشراق ظهوره و شعاع نوره،
فإذا كان الحقّ بجميع صفاته الكماليّة و نعوته الجماليّة و الجلاليّة متجلّيا على
جميع الأشياء. فلكلّ من الموجودات عين شاهدة لأوصاف جماله، و لسان ملكوتيّ مسبّح
مقدّس لنعوت كماله. فكلّ ما في السموات و ما في الأرض يسبّحه و يهلّله و يمجّده و
يكبّره بجميع ألسنة ذاتها و قواها و مشاعرها و ضمائرها و أسرارها و ظواهرها و
أطوارها، قولا و فعلا و ضميرا و اعتقادا.
إشارة حكمية
قد تقرّر في أنظارنا الحكميّة و أسفارنا الإلهيّة أنّ جميع الموجودات
متوجهّة نحو الحق تعالى طبعا و إرادة و عقلا، و هذا المعنى مشاهد في أكثر
[3] إشارة الى قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [17/ 44].