إنّ القرآن كالإنسان المنقسم إلى سرّ و علن، و لكلّ منهما ظهر و بطن
و لبطنه بطن آخر- إلى أن يعلمه اللّه- و لعلانيته [98] علانية اخرى إلى أن يدركه الحواسّ و أهلها.
أمّا ظاهر علنه فهو المصحف المحسوس الملموس، و الرقم المنقوش
الممسوس.
و أمّا باطن علنه فهو ما يدركه الحسّ الباطن و يستثبته القرّاء و
الحفاظ في خزانة محفوظاتهم كالخيال و نحوه، و الحسّ الباطن لا يدرك المعنى صرفا،
بل خلطا مع عوارض جسمانيّة، إلا أنه يستثبته بعد زوال المحسوس، فإنّ الخيال [99] و الوهم أيضا كالحس لا يحضران في الباطن
المعنى الصرف كالإنسانيّة المطلقة، بل نحو ما يدركه الحسّ من خارج مخلوطا بزوايد و
غواش من كمّ و كيف و وضع و أين، فإذا حاول أحدهما أن يتمثّل له الصورة الإنسانيّة
المطلقة بلا زيادة اخرى لم يمكنه ذلك، بل إنّما يمكنه استثبات الصورة المقيّدة بالعلائق
المأخوذة عن أيدي الحواسّ، و إن فارق المحسوس، بخلاف الحسّ فإنّه لا يمكنه ذلك،
فهاتان المرتبتان من القرآن أوّليتان دنيويتان [100] ممّا يدركه كلّ إنسان.
و أمّا باطنه و سرّه فهما مرتبتان اخرويّتان لكلّ منهما درجات:
فالاولى ممّا يدركه الروح الإنسانيّة التي تتمكّن من تصور المعنى
بحدّه و حقيقته، منفوضا عنه اللواحق القريبة، مأخوذا من المبادي الفعالة من حيث