نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 2 صفحه : 208
و اختلفوا في ملاك هذه الفوقية: أهو الحقارة. او الجثّة؟
فقال بعضهم: المراد ما فوقها في الصغر و القلّة، كقولك لمن يقول «فلان
أسفل
الناس و أنزلهم»: هو فوق ذلك. تعني به أبلغ و أعرق فيما وصف به من السفالة و
الخساسة.
و المحقّقون على هذا، لأن المقصد تحقير الأوثان، فكلّما كان المشبّه
به أحقر كان المقصود أكمل، و لأنّه تعالى في بيان إنّه لا يمتنع من التمثيل
بالشيء الحقير، فما هو أشدّ حقارة كان اولى بالبيان؛ و لأنّ الشيء كلّما كان
أصغر كان الاطلاع على أسراره المودعة فيه من اللّه أدلّ على لطفه و عنايته،
فالتمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من الدلالة بالشيء الكبير.
أولا ترى إن البعوضة من عجائب خلق اللّه، فإنّها صغيرة جدّا، و
خرطومها في غاية الصغر، ثمّ إنّه مع ذلك مجوّف، ثمّ الخرطوم مع فرط صغره و كونه
مجوّفا يغوص في جلد الفيل و الجاموس- على ثخانته- كما يضرب الرجل إصبعه في الخبيص،
و ذلك لما ركب اللّه تعالى في خرطومه السمّ.
قال الربيع بن أنس: إن البعوضة تحيي ما جاعت فإذا سمنت ماتت فكذلك القوم
الذي ضرب اللّه لهم هذا المثل، إذا امتلئوا من الدنيا ريّا أخذهم اللّه عند ذلك
ثمّ تلاحَتَّى إِذا فَرِحُوا
بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً
[6/ 44].
و
روي عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام إنّه قال[1]: «إنّماضرب اللّه المثل بالبعوضة لأنّ البعوضة
على صغر حجمها خلق اللّه فيها جميع ما خلق في الفيل- مع كبره- و زيادة عضوين
آخرين، فأراد اللّه سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطف خلقه و عجيب صنعه».
و ربما قيل: كيف يضرب اللّه المثل بما دون البعوضة و هي نهاية في
القلّة؟
فيقال: «جناحه أصغر منها بكثير» و
قد ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مثلا للدنيا في قوله[2]: «لوكانت الدنيا تزن عند اللّه جناح بعوضة
لما سقى منها الكافر شربة ماء»