الأول إنّ قولهالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ
هُمْ يُوقِنُونَ فيه ايمان
بالأشياء الغائبة. فلو كان المراد من قوله: يؤمنون بالغيب، هو الايمان بالأشياء
الغائبة لكان المعطوف عين المعطوف عليه و إنّه غير جائز.
الثاني إنّه لو حملناه على الايمان بالغيب، يلزم القول بأنّ الإنسان
يعلم الغيب و هو خلاف قوله:وَ
عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ
[6/ 59] و كذا الآيات النافية لكون الإنسان عالما بالغيب، أما لو فسّرناه بما
قلنا فلا يلزم هذا المحذور.
الثالث: إنّ إطلاق الغيب إنّما يجوز على ما يجوز عليه الحضور، فعلى
هذا لا يجوز إطلاق الغيب على ذات اللّه و صفاته، فلو كان المراد من الآية الايمان
بالغيب بهذا المعنى لما دخل فيه الايمان باللّه و بصفاته، و لا يبقى فيه إلا
الايمان باليوم الآخر و ذلك باطل.
لأنّ الركن العظيم في الايمان، هو الايمان بذات اللّه و صفاته فحمل
اللفظ على هذا المعنى فاسد.
و الجواب أما عن الأول: فبأنّ قوله: يؤمنون بالغيب، يتناول الايمان
بالغائبات إجمالا و قوله: الّذين، مع ما يتلوه يتناول تفصيل بعضها، و هذا من باب
عطف التفصيل على الجملة كما في قوله:وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ [2/ 98].
و أما عن الثاني: فبأنّه لا نزاع في أنّا نؤمن بالأشياء الغائبة عنّا
و كان ذلك التخصيص لازما في الآيات الدالّة على نفي العلم بالغيب عن الإنسان على
أيّ وجه كان، فنقول:
الغيب على ضربين: منها ما يتطرق إليه الدليل و البرهان و منها ما لا
يكون كذلك،