و لا يخفى أنّ حصول الفائدة المذكورة من تنوّع المعجز المذكور يختلف
كثيرا بسبب اختلاف الناس في أطوارهم و معارفهم و مألوفاتهم. فربّ خارق للعادة يعرف
بعض الشعوب انه خارق للعادة لا يكون إلا بإرادة إلهية خاصة و يكون في بعض الشعوب
معرضا للشك او الجحود لإعجازه و خرقه للعادة كان في عصر موسى النبي (ع) من الرائج
بين المصريين صناعة السحر المبتنية على قوانين عادية يجري عليها التعليم و التعلم.
فكانوا يعرفون ما هو جار على نواميس هذه الصناعة و ما هو خارج عنها و عن حدود
القدرة البشرية. و لأجل ذلك اقتضت الحكمة ان يحتج عليهم بمعجزة العصا التي ألقاها
موسى (ع) أمام أعينهم فصارت ثعبانا تلقف ما يأفكون و يسحرون به الناس من الحبال و
العصي ثم رجعت بعد ذلك عصا كحالها الأول و لم يبق لحبالهم و عصيهم عين و لا اثر
فإنهم بسبب معرفتهم لحدود السحر عرفوا أن امر العصا خارج عن صناعة السحر و عن حدود
القدرة البشرية و لذا آمن السحرة بأن أمرها من اللّه تعالى و كانت فلسطين و سوريا
في عصر المسيح مستعمرة لليونان و فيها منهم نزلاء كثيرون. فكان للطبّ فيها رواج
ظاهر و كان في الفصل الثالث عشر و الرابع عشر من سفر اللاويين من التوراة الرائجة
تعليم طويل في تطهير القرع و البرص و القوبا بنحو يختص بروحانية الكهنوت و يوهم
انه من بركات الكهنة و الآثار الرّوحية و إن كان من نحو الحجر الصحي فلأجل ذلك
كانت معجزات المسيح بشفاء الأبرص و الأعمى و الأكمه مما يعرفون انه خارج عن حدود
الطب و مزاعم الكهنة و قدرة البشر و من خارق العادة التي لا يكون إلا بقدرة اللّه
تعالى
حكمة كون المعجز للعرب هو القرآن
و أما العرب الذين ابتدأت بهم دعوة الإسلام في حكمة سيرها في الإصلاح
فقد كانت معارفهم نوعا منحصرة بالأدب العربي و كانوا خالين من سائر العلوم و
الصنائع الخاضعة للعلم و التعلم. فلم يكونوا يميزون حدودها العادية بحسب موازين
العلم و التعلم و أسرار الطبيعيات المنقادة بقوانينها للباحث و الممارس و المتعلم
و المجرّب و المكتشف و الداخلة تحت سيطرة العلم و التعلم. فلا يعرفون من الأعمال
ما هو خارج عن هذه الحدود و خارق للعادة و لا يكون