و في مجمع البيان احد الوجهين. و يدفعه زيادة على وهن اعتراض الجملة
ان التوبة و العذاب لا مناسبة لكونهما غاية للنصر لكي يقال بعطفها على «ليقطع او يكبت» و نقل في الكشاف
قولا حاصله ان يتوب و يعذبهم منصوبان بان مضمرة بعد او. و المصدر في محل الجر
بالعطف بأو على الأمر أي ليس لك من الأمر و التوبة عليهم او عذابهم شيء. او في
محل الرفع بالعطف على شيء أي ليس لك من الأمر شيء او التوبة عليهم او تعذيبهم. و
في التبيان و مجمع البيان ذكرا وجها آخر نسبه الكشاف الى القيل و هو ان او بمعنى
إلا. و ذلك كقول زياد الأعجم
«و كنت إذا غمزت قناة قوم
كسرت
كعوبها او تستقيما»
بمعنى ليس لك من الأمر شيء إلا توبة اللّه عليهم او عذابهم فيكون
أمرك تابعا لأمر اللّه لرضاك بتدبيره كما في التبيان و مجمع البيان و أقول ان
الأمر في توبة اللّه عليهم او تعذيبه لهم إنما هو للّه وحده فلا يصح استثناؤه و
إثباته للرسول بالاستثناء المتصل و لا يجدي في ذلك التفريع بقولهما فيكون أمرك
تابعا لأمر اللّه مع انه لا دلالة على هذا التفريع. فالوجه ان تكون «او» الأولى بمعنى «الا» التي هي للاستدراك مثل «لكن» المخففة كما في الاستثناء
المنقطع الرافعة لما يتوهم من الكلام السابق عليها فإن سياق قوله تعالىلَيْسَ لَكَ
مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ بعد ذكر الذين كفروا في الآية السابقة قد يتوهم منه انه لا يقع شيء
مما يرجوه الرسول من صلاحهم و إسلامهم فجرى الاستدراك بما يؤدي إلا ان رجاء الرسول
لا ينقطع بالنفي المتقدم بل يتوب اللّه على من يتوب و ينيب الى الإسلام و يعذب
الذين لا يتوبون لأنهم ظالمون بكفرهم و سوء اعمالهم.
و روي في الدر المنثور في نزول الآية روايات لا تكاد أن تنطبق. منها
عن احمد و البخاري و الترمذي و النسائي و غيرهم عن ابن عمر ان رسول اللّه قال يوم
أحد اللهم العن أبا سفيان و ذكر ثلاثة معه فنزلت الآية. و يدفعه ان الدعاء باللعن
ليس من الأمر المنفي عن رسول اللّه بل دعاء جعله اللّه لرسوله و لسائر المؤمنين
بقوله تعالىادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. و قد لعن اللّه الظالمين و
الكافرين. و كذا الكلام فيما أخرجه البخاري و مسلم و جماعة عن أبي هريرة ان النبي
قنت بعد الركوع و دعا بنجاة اشخاص و لعن بعضا فنزلت الآية. مضافا الى ان الآية لا
تناسب الدعوة بالنجاة مع ان هاتين الروايتين و أمثالهما متنافية بالتعارض في سبب
النزول