أسروا اعمالهم الصالحة و تقواهم. و قد اقتضت مناسبة المقام و
المقابلة توبيخ الكافرين على كفرهم و سوء اعمالهم و بيان خسرانهم و خيبتهم و سوء
عاقبتهم فقال عزّ و جل
112إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ
تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ
أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ و قد مرّ تفسير الآية في
الآية الثامنة و زيد عليها هاهنا ببيان الخلود في النار و ان دلت عليه بالاشارة في
قوله تعالىوَ أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ. و ان قيل ان هؤلاء
الكافرين ربما ينفقون من أموالهم شيئا في صلة الرحم و نفع المحتاجين من الفقراء و
المساكين و غير ذلك فلما ذا لا تغني عنهم أموالهم فلقد أزاح اللّه علة هذه الشبهة
بقوله 113مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا و تضييعهم له فيها بكفرهم
و ان قصدوا وجها يزعمون انه وجه اللّه و لكنه ليس بوجه اللّه الذي كفروا بآياته و
أشركوا به و وصفوه بما يجل عنه من الصفاتكَمَثَلِ رِيحٍ
فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ هذا من التشبيه المركب
ليتبين منه حال كفرهم مع إنفاقهم في احباطه بما جنوه على أنفسهم و لذا صدّر المثل
ببيان المتلف للحرث ليروع الكافرين بعنوانه في صدر المثل. و الصر بكسر الصاد هو
البرد الشديد او شدة البرد كما نص عليه جل اللغويين و المفسرين و ذكر في الدر
المنثور جماعة أخرجوه عن ابن عباس من طرق متعددة. و روى الطستي ان ابن عباس استشهد
له بقول النابغة الذبياني:
لا يبردون إذا ما الأرض جللها
صرّ
الشتاء من الإمحال كالأدم
و أنشد في الكشاف قول الشاعر:
لا تعدلنّ اتاويين تضربهم
نكباء
صرّ بأصحاب المحلات
و الحرث هو المزروع في الأرض. و الأنسب في فهم قوله تعالى ظلموا
أنفسهم انهم ظلموها بزرعه في غير أوان زرعه بحسب الفصول او في غير بلاد زرعه من
الأرضوَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ باحباط عملهم بكفرهموَ لكِنْ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ باختيارهم الكفر الملقى لهم في هلكة