المعجز هو الذي يأتي به مدّعي النبوّة بعناية اللّه الخاصة خارقا
للعادة و خارجا عن حدود القدرة البشرية و قوانين العلم و التعلم ليكون بذلك دليلا
على صدق النبي و حجته في دعواه النبوة و دعوته
وجه شهادة المعجز
و دلالته على صدق النبيّ في دعواه و دعوته ليس إلّا انّ مدّعي
النبوّة إذا كان ظاهر الصلاح موصوفا بالأمانة معروفا بصدق اللهجة و الاستقامة لا
يخالف العقل في دعوته و أساسيّاتها لم يجز عقلا اظهار المعجز على يده إلّا إذا كان
صادقا في دعوى النبوة و دعوتها. الا ترى انه لو كان مع صفاته المذكورة كاذبا في دعواه
لكان اظهار المعجز على يده و تخصيص اللّه له بالعناية إغراء للناس بالجهل و توريطا
لهم في متاهات الضلال. و هذا قبيح ممتنع على جلال اللّه و قدسه
توضيح ذلك
هو أنّ الناس بحسب فطرتهم التي لا تدنسها رذائل الأهواء و العصبية
إذا ظهر لهم صلاح الشخص و صدقه و أمانته و استقامته فيما يعرفونه من أحواله و
أطواره توسموا بباطنه الخير و انّ باطنه موافق لظاهره في الصلاح. و كلما زادت
خبرتهم بصلاح ظاهره زاد وثوقهم بصلاح باطنه. إلا انه مهما يكن من ذلك فإنه لا يبلغ
بهم مرتبة العلم و ثبات الاطمئنان بعصمته عن الكذب في دعواه و تبليغات دعوته فلا
ينتظم تصديقهم له و لا يدوم انقيادهم إلى تبليغاته في دعوته. بل لا يزال اختلاج
الشكوك يميل بهم يمينا و شمالا. لكن إذا خصته العناية الإلهية بكرامة المعجز و
خارق العادة حصل العلم الثابت و اطمأنت النفوس السليمة بصدقه و عصمته في دعواه و
ما يأتي به في دعوته. و يثبت اليقين و ينتظم امره بالنظر إلى أنه يمتنع على جلال
اللّه و قدسه في مثل هذه المزلقة ان يظهر المعجز و عنايته الخاصة على يد الكاذب
المدلس بصلاح ظاهره.
فإن اظهار المعجز حينئذ يكون مساعدة للمدلس على تدليسه و مشاركة له
في اغوائه و إغراء للناس في الجهل الضار المهلك. و ذلك لما ذكرناه من مقتضى فطرة
الناس السليمة. فالمعجز الشاهد بصدق النبي في دعواه و دعوته هو ما يقوم بما ذكرنا
من الفائدة في مثل ما ذكرناه من المقام و الوجه