أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ الافاضة جعل الشيء فائضا
من فيض الماء اي فإذا أفضتم جمعكم تشبيها لاندفاع جمعهم الكثير في رحيلهم لساعتهم
بعد العصر دفعة بفيض الماء المنبعث في ابتدائه من عرفات يقال أفاض الحديث اي أفاض
كلامه فيه. و عرفات هو الموقف المعروف و فيه نسك اليوم التاسع. و في التعبير
بالافاضة دلالة على ان الموقف في عرفات له مكث محدود الوقت يجتمع فيه الناس ثم
يرحلون بأجمعهم كالماء الفائض و ان عرفات منشأ هذه الافاضة و فيض الجمع. و صرفت
عرفات مع العلمية و التأنيث لأنها بصيغة الجمع فحملت عليهفَاذْكُرُوا
اللَّهَ
بالصلاة و التقرب اليه بطاعته في النسك و الوقوفعِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرامِ و هو المزدلفة و جمع و سمي مشعرا لأنه محل لنحو من شعائر اللّه. و
إذا جعلت جملةفَاذْكُرُوا لبيان الوظيفة بمنزلة الجملة الخبرية جاز ان يراد بالذكر ما يعمّ
المستحب. ثم أكد اللّه الترغيب بذكره و الإقبال عليه ببيان الاحتجاج و التذكير
باستحقاقه شكرا لنعمته العظمى فقال جلت آلاؤهوَ اذْكُرُوهُ
كَما هَداكُمْ و أنعم عليكم بالهدى تلك النعمة الجليلةوَ إِنْ
كُنْتُمْ
الواو للحال «و ان» مخففة من الثقيلة تفيد التأكيد بمعنى و قد كنتممِنْ قَبْلِهِ اي من قبل الهدى المدلول
عليه بقوله هداكملَمِنَ الضَّالِّينَ و لا تجعلوا المشعر سبيل
عابر من عرفات إلى منى كما كانت قريش تقترحه بتشريعهم و جبروتهم على سائر العرب بل
قفوا فيه للنسك بحيث يكون اندفاع جمعكم منه بعد الوقوف فيه افاضة منه كالافاضة من
عرفات و اذكروا اللّه فيه
197ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ
أَفاضَ النَّاسُ العاملين على شريعة الحج بحقيقتها و هو ابراهيم الخليل (ع) الذي أتى
بشريعة الحج و إسماعيل و إسحاق و من كان بعدهم من المتبعين لهذه الشريعة. جاء فيما
أشرنا اليه آنفا من الكافي و التهذيب
في الصحيح عن الصادق (ع) عن الباقر (ع) عن جابر في ذكره لحج رسول
اللّه (ص).
ثم غدا (ص) أي من منى و الناس معه و كانت قريش تفيض من المزدلفة و
هي جمع
«أي لا يقفون في عرفة فتكون لهم منها افاضة بل يقفون في المشعر و تكون
منه إفاضتهم»
و يمنعون الناس من ان يفيضوا منها
«أي من المزدلفة يعني انهم لا يدعون الناس بعد إفاضتهم من عرفات ان يقفوا
في المزدلفة لكي يكون لهم منها افاضة ايضا بل لا يكون لهم