responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 9  صفحه : 73

السياسي لم يحل دون الازدهار العلمي، وانكباب العلماء على الكتب يجمعون فيها خلاصة تجاربهم، وما وصلوا إليه من آراء، بل يبدو أن هذه الحياة السياسية الصاخبة المضطربة جعلته ينصرف عنها إلى الدراسة والإنتاج، فانا لا نعرف له مشاركة في الأحداث السياسية، وكل ما عرفه له التاريخ انه كان شيخا من شيوخ الأدب.
ولم يحدثنا من أرخ له عن ثقافته، ولكننا نستطيع أن نعرف هذه الثقافة من المنهج الثقافي الذي وضعه، وأوجب على الشعراء أن يأخذوا به، فقد كان شاعرا، ومن المرجح أن يكون قد عمل بهذا المنهج، فإنه يراه ضروريا للشاعر إذ يقول: وللشعر أدوات يجب اعدادها قبل مراسه وتكلف نظمه، فمن تعصت عليه أداته لم يكمل له ما يتكلفه، وبان الخلل فيما ينظمه، ولحقته العيوب من كل جهة.
فمنها التوسع في علم اللغة والبراعة في فهم الاعراب، والرواية لفنون الآداب، والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم، ومناقبهم ومثالبهم، والوقوف على مذاهب العرب في نظم الشعر، والتصرف في معانيه، في كل فن قالته العرب فيه، وسلوك مناهجها في صفاتها، ومخاطباتها، وحكاياتها، وأمثالها.
ولا بد أن يكون قد درس ذلك، وأن يكون قد أضاف إليه معرفة واسعة بتقاليد العرب وعاداتها.
ويمضي ابن طباطبا في إيراد الشواهد الكثيرة المنبئة عن تلك التقاليد ويظهر أن ابن طباطبا كان رجلا مشغوفا بالعلم، مكبا على تحصيله مقبلا على العلماء يأخذ عنهم ما رووه في حب واستزادة، حتى صح له أن يفتخر ويقول:
حسود مريض القلب يخفى أنينه * ويضحي كئيب البال منى حزينه يلوم على أن رحت في العلم راغبا * اجمع من عند الرواة فنونه وأسلك أبكار الكلام وعونه * وأحفظ مما استفيد عيونه ويزعم أن العلم لا يجلب الغنى * ويحسن بالجهل الذميم ظنونه فيما لائمي، دعني أغالي بقيمتي * فقيمة كل الناس ما يحسنونه إذا عدا غنى الناس لم اك دونه * وكنت أرى الفخر المسود دونه إذا ما رأى الراؤون وعيه * رأوا حركاتي قد هتكن سكوته وما ثم ريب في حياتي وموته * فأعجب لميت كيف لا يدفنونه أبى الله لي من صنعة ان يكونني * إذا ما ذكرنا فخرنا وأكونه وكان مغرما بالكتب يعدها أغلى من الأصدقاء، ويقول:
إذا فجع الدهر امرأ بخليله * تسلى، ولا يسلى لفجع الدفاتر بل إن له كتابا في تقريظ الدفاتر.
وهو يؤمن بان من صح طبعه وذوقه لم يحتج إلى الاستعانة على نظم الشعر بالعروض التي هي ميزانه، ومن اضطراب عليه الذوق لم يستغن من تصحيحه وتقويمه بمعرفة العروض والحذق به.
ولكنك تعجب ان يذكر له ياقوت ضمن ما صنفه كتابا في العروض لم يسبق إلى مثله، فلعل كراهيته لهذا العلم دعته إلى أن يصمم على تذليله، إلى درجة تمكنه من التاليف فيه، أو لعل وصف كتابه بأنه لم يسبق إلى مثله يؤذن بأنه نهج في عرض هذه المادة نهجا جديدا يسهل جناها للدارسين.
ولست أدري موقفه من علم القوافي، وهو ملازم لعلم العروض وشقيق له في التاليف، غير أنه قد وصل في كتابه عيار الشعر إلى حصر قوافي الشعر.
وأعان ابن طباطبا على طلب العلم ما عرف به من الذكاء والفطنة، وصفاء القريحة، وصحة الذهن.
ومما يروى للدلالة على سرعة حفظه ان أحد الرواة ذكر أن ابن طباطبا دخل إلى دار حملت إليها من بغداد نسخة من شعر عبد الله بن المعتز فطلب استعارتها، فسوف بها، فتمكن في الدار ان ينظر فيها، ثم طلب محبرة وقرطاسا، ثم اخذ يكتب عن ظهر قلبه مقطعات من الشعر، حتى إذا فرع من نسختها أحصيت الأبيات التي قيدها، فبلغ عددها مائة وسبعة وثمانين بيتا حفظها من شعر ابن المعتز في ذلك المجلس، واختارها من بين سائرها. وكان ذلك في آخر أيامه.
وساعده عليه أيضا انه كان غنيا يستطيع ان يفرع للدراسة والاطلاع، ويدلنا على غناه أنه يقول لمن يزهده في طلب العلم بحجة انه لا يجلب الغنى:
إذا عد أغنى الناس لم اك دونه * وكنت أرى الفخر المسود دونه فهو غنى، ولكنه لا يكتفي من الحياة بالغنى وحده، بل يريد إلى جانبه مجدا علميا يجلب له الفخر والسؤدد.
وإذا كان ابن طباطبا غنيا يكره الفقر، ويرى أن الحر يؤثر الموت عليه، إذ يقول:
قد يصبر الحر على السيف * ويجزع الحر من الحيف ويؤثر الموت على حالة * يعجز فيها عن قرى الضيف فإنه كان يحب القصد في الغنى، ويكره الاسراف فيه، ويرى الشراهة في جمع المال مهلكة لصاحبها، إذ تصرفه عن المجد العلمي، ولعلنا ندرك ذلك من قوله:
ان في نيل المنى وشك الردى * وقياس القصيد ضد السرف كسراج دهنه قوت له * فإذا غرقته فيه طفى ومما لا ريب فيه أن ذلك خير الأوضاع لطلب العلم والتفرع له:
غنى لا تصحبه شراهة إلى الازدياد.
ولم يقتصر ابن طباطبا على التحصيل وحده، بل ترك لنا انتاجا أديبا بقي بعضه وباد بعضه، فمن ذلك:
1 كتاب عيار الشعر الذي جمع آراءه في النقد الأدبي، وقد حققه وعلق عليه، وقدم له، ونشره سنة 1956 م الدكتور طه الحاجري، والدكتور محمد زغلول سلام.
2 وكتاب تهذيب الطبع ولعله هو كتاب الشعر والشعراء الذي نسبه اليه ابن النديم في كتابه: الفهرست.
أما كتاب تهذيب الطبع فقد أشار إليه الناقد في أكثر من موضع في كتابه: عيار الشعر، فهو يبين الغرض من تأليفه إذ يقول: وقد جمعناه ما اخترناه من أشعار الشعراء في كتاب سميناه: تهذيب الطبع

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 9  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست