responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 9  صفحه : 323

المرحلة الثانية. وهي دور العزلة والانقطاع إلى العبادة في بعض الجبال النائية، وقيل إنها كهيك من قرى قم وانه استقام في هذه العزلة خمسة عشر عاما. وهي مدة طويلة. وقد حكى لنا قصة هذه الفترة من حياته في مقدمة الاسفار وغيرها، فإنه كما يقول لما رأى الحال على ذلك المنوال من خلو الديار من اهل المعرفة وضياع السير العادلة وإشاعة الآراء الباطلة، ضرب صفحا عن أبناء الزمان والتجأ إلى أن ينزوي في بعض نواحي الديار، منكسر البال منقطع الال متوفرا إلى العبادة، لا على درس يلقيه ولا تأليف يتصرف فيه.
ويعلل عدم توفره على الدرس والتأليف على عادته في التسجيع بان هذه أمور تحتاج إلى تصفية الفكر وتهذيب الخيال عما يوجب الملال والاختلال، وتحتاج إلى فراع البال. ولا تحصل هذه الأشياء لمن يسمع ويرى من أهل الزمان من قلة الانصاف وكثرة الاعتساف، وخفض الأعالي والأفاضل ورفع الأداني والأراذل، وظهور الجاهل والعامي على صورة العالم النحرير وهيئة الحبر الخبير، إلى غير ذلك من القبائح والمفاسد.
وهكذا يتشكى من أبناء زمانه ومثلهم أبناء كل زمان، ولم يبين نوع تلك الاعتسافات التي كان يلاقيها. ولكنها على كل حال أرهقته حتى طفق يرتئي بين ان يصول بيد جذاء وما أدري هل كان يريد أن يعارك أبناء الزمان بالسيف ويجاهدهم؟، أو يصبر على سطحية عمياء. فرأى بالأخير ان الصبر على هاتي أحجى، فصبر، وفي العين قذى وفي الحلق أشجى، اتباعا كما قال لسيرة أمير المؤمنين ع واقتداء به فامسك عن الاشتغال بالناس، واختار العزلة والاستناد مديدا وأمدا بعيدا وقد قلنا إن هذا الأمد البعيد قدر ب‌ " 15 عاما.
وهو في كل هذا الأمد البعيد ليس له شغل وعمل الا العبادة والمجاهدات والرياضات، متوجها توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب، ومتضرعا تضرعا جبليا إلى مسهل الأمور الصعاب على حد تعبيره وهو يعتقد ان الانسان يتمكن من الحصول على العلم اللدني والانكشاف اليقيني، بطول المجاهدات والانقطاع إلى الله تعالى، بعد تصفية الباطن ورفع الحجب عن النفس. لذلك قال نتيجة لتلك العزلة: اشتعلت نفسي لطول المجاهدات، والتهب قلبي لكثرة الرياضات التهابا قويا، ففاضت عليها أنوار الملكوت وحلت بها خبايا الجبروت، ولحقتها الأضواء الأحدية وتداركتها الالطاف الآلهية. فاطلعت على اسرار لم أكن اطلعت عليها إلى الآن، وانكشفت لي رموز لم تكن منكشفة هذا الانكشاف من البرهان بل كل ما علمته من قبل بالبرهان عاينته مع زوائد بالشهود والأعيان.... وهكذا يكرر هذا المعنى في كثير من مؤلفاته.
ولما حصلت له هذه الحالة النفسية نتيجة لتلك العزلة انفتح له ان ينتقل إلى:
المرحلة الثالثة. وهي دور التاليف، إذ ألهمه الله تعالى الإفاضة مما شعر به في المرحلة الثانية جرعة للعطاش الطالبين، فبلغ الكتاب اجله، وأراد الله تقديمه وقد كان أجله هكذا يقول. ورأى أن يخرجه من القوة إلى الفعل، ونهضت عزيمته بعد ما كانت قاعدة واهتز الخامد من نشاطه.
فصنف كتابا إلهيا، ويعني به الاسفار. وهو أول كتبه بعد تلك العزلة الطويلة ويظهر انه أشغل في تأليفه وهو لا يزال في موطن عزلته.
ولم يصنف كتابا قبله فيما عثرنا على نصوصه غير ثلاث رسائل، إذ أشار إليها في الاسفار، وهي رسالة طرح الكونين 1: 10 ورسالة حل الاشكالات الفلكية في الإرادة الجزافية 1: 176 ورسالة حدوث العالم 1: 233، وان كان هذا ليس دليلا وحده على سبقها على الاسفار بمجرد الإشارة إليها فيه، لأنه في رسالة الحدوث أيضا يشير إلى الاسفار نفسه، والى الشواهد الربوبية مع أنه قيل إنه آخر مؤلفاته، وذلك ص 22 من الرسالة.
ولعله يدخل الإشارة إلى كتبه الأخرى بعد تأليف الكتاب بمدة، فذكر الإشارة إلى كتاب في كتاب آخر لا يعنى سبق تأليف ما أشار اليه.
وفيما أظن ان الرسالة الوحيدة التي سبقت تأليف الاسفار ووقعت في المرحلة الأولى، هي رسالة سريان الوجود التي سيأتي ذكرها في مؤلفاته، لاشتمالها على آراء في الوجود عدل عنها في الاسفار، كما أظن انها نفس رسالة طرح الكونين.
وعلى كل حال، فان كتاب الاسفار هو أول مصنفاته في المرحلة الثالثة من حياته وهي مرحلة التاليف. وقد شحنه بكل ما عنده من أفكار وآراء ومكاشفات وشواهد ربوبية وواردات قلبية ومشاعر إلهية. وكل كتاب ألفه وكل رسالة صنعها بعد ذلك فالجميع مجرد منه، ومقتبس من عباراته وآرائه. ولذا قلنا إنه الأم لباقي مؤلفاته، حتى كتب التفسير التي ألفها على ما يظهر لغرض تطبيق فلسفته على القرآن الكريم.
وإذا انتهينا إلى هنا فإنه يحسن بنا ان نتحدث عن مدرسته العلمية التي كان يدعو إليها:
مدرسته العلمية ان المترجم يرى ان المعرفة تحصل من طريقين: طريق البحث والتعلم والتعليم الذي يستند على الأقيسة والمقدمات المنطقية، وطريق العلم اللدني الذي يحصل من طريق الالهام والكشف والحدس. وهذا الأخير انما يحصل بسبب تجريد النفس عن شهواتها ولذائذها والتخلص من أدران الدنيا وأوساخها، فتنجلي مرآتها الصقيلة وتنطبع عليها صور حقائق الأشياء كما هي إذ تتحد النفس بالعقل الفعال حينما تحدث لها فطرة ثانية بذلك.
ويرى ان الفرق بين العلمين كالفرق بين علم من يعلم الحلاوة بالوصف وبين علم من يعلمها بالذوق. وان الثاني أقوى واحكم، ويمكن وقوعه، بل هو واقع للأنبياء والأوصياء والأولياء والعرفاء.
قال في مفاتيح الغيب في المشهد الثامن من المفتاح الثالث: ان كثيرا من المنتسبين إلى العلم ينكرون العلم الغيبي الدني الذي يعتمد عليه السلاك والعرفاء. وهو أقوى واحكم من سائر العلوم، قائلين: ما معنى العلم الا الذي يحصل من تعلم أو فكر وروية.


[1] راجع سفينة البحار (ج 2. ص 17) في الحاشية [2] راجع حاشية سفينة البحار (2: 17)

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 9  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست