responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 8  صفحه : 216

ثمانية، حتى إذا قدم سلطان الدولة ابن الملك بهاء الدولة إلى بغداد طلب منه أن يقول الشعر ملحا معاودا، فاعتذر بما سبق ان عزم عليه: من ترك الشعر بعد فخر الملك، ولكنه حمله على قوله بمعاودة الاصرار [1].
فهل تكون هذه العواطف من جانب المرتضى لرجل كان يزدري مقامه، ويستهين بكرامته، ويلقاه بالفتور والبرود؟
والطريف في الأمر انك تجد القصة نفسها تروى بلسان آخرين، ومع وزير آخر غير فخر الملك، فمرة تروى عن أبي إسحاق محمد بن إبراهيم العباسي الكاتب [2]، ومرة عن لسان أبي إسحاق الصابي [3]. وكلاهما كما كان الحال مع أبي حامد الأسفراييني يدعى مشاهدة المجلس وحده، ومع ادعاء التفرد بمجلس الوزير لا يصح ان يشاهدها آخرون، وهذا صريح في اختراع القصة، أو في اختراع راويها.
وأطرف من هذا انها في إحدى الروايات تجري مع أبي محمد الوزير المهلبي لا مع فخر الملك، ولكن الوزير المهلبي مات قبل ان يخلق المرتضى بثلاث سنوات أو أربع [4].
3 ويدخل في باب المفارقات ما يورد للسيد وعنه بحسن نية، وبقصد التنويه بذكره، ولكنه يخرج به عن خلقه المعروف به، أو عن الخلق الإنساني السوى العام. فمن الشائع في الأوساط الخاصة لرجال المذهب الامامي، والوارد في بعض المصادر أن السيد الرضي حين أسمع أخاه المرتضى قصيدته في رثاء أبي الصابي:
أ علمت من حملوا على الأعواد * أ رأيت كيف خبا ضياء النادي وفيها قوله:
ان لم تكن من أسرتي وعشيرتي * فلأنت أعلقهم يدا بودادي الفضل ناسب بيننا ان لم يكن * شرفي مناسبه ولا ميلادي غضب المرتضى لمكانة أخيه من النسب والدين وقال له مستخفا بالصابي: حملوا كلبا.
يريدون بما أوردوا أن ينزهوا مقام رجل الدين المسلم عن رثاء رجل ذمي، ناسين أن جواب المرتضى ان صح يتنافى مع الخلق الرفيع، الذي يجب ان يتحلى به رجل كالمرتضى.
ولكني وجدت الشريف المرتضى نفسه يرثي أبا إسحاق الصابي رثاء لا يقل تقديرا وأسى عن رثاء الرضي له، ووجدت بين المرتضى وأبي إسحاق من تبادل العواطف والاخاء ما يدل على أن الأخوات والصداقات لا يحول دونها اختلاف في منسب أو مذهب، وان الرجل ما كان يحول مقامه الديني من أن يتغنى باخاء رجل كابي إسحاق وأن يرثيه:
ما كان يومك يا أبا إسحاق * الا وداعي للمنى وفراقي لولا حمامك ما اهتدى هم إلى * قلبي ولا نار إلى احراقي وسلبت منك أجل شطري عيشتي * وفجعت منك بأنفس الأعلاق لما رأيتك فوق صهوة شرجع * بيد المنايا أظلمت آفاقي وكأنني من بعد ثكلك ذو يد * جذاء أو غصن بلا ايراق ومودة بين الرجال تضمهم * وتلفهم خير من الأعراق من ذا نضا عنا شعار جمالنا * ورمى هلال سمائنا بمحاق؟ [6] بل رأيت المرتضى يجرى إلى أكثر من هذا فيمدح هلال بن المحسن الصابي وهو حفيد أبي إسحاق بأبيات فيها:
وقول زارني فوددت أني * وقيت بمهجتي من كان قاله [7] ذكرت به التصابي والغواني * وأيام الشبيبة والبطاله وكيف ألوم إما لمت دهرا * ضللت به فاطلع لي هلاله غفرت به ذنوب الدهر لما * أتى كفى وأعلقها وصاله وما انا مصطف الا خليلا * رضيت على تجاربه خلاله وهي طويلة قبست منها موضع الحاجة.
4 وقد رمي الشريف بالبخل في أحد المصادر القديمة وعنه نقلت المصادر المتأخرة ذلك. جاء في عمدة الطالب: وكان المرتضى يبخل، ولما مات خلف مالا كثيرا، وخزانته اشتملت على ثمانين ألف مجلد، ولم أسمع مثل ذلك [8].
ان صفتي البخل والكرم يختلف فيها عرف عن عرف، وليس لمدلولها حد معين وبخاصة فيما تعارف عليه العرب من تقدير الصفتين فان أريد بهذه العبارة اتهام الشريف بالتخلي عن واجباته الاجتماعية وبتقتيره على نفسه أو أسرته أو اخوانه في سبيل التوفر على جمع المال واختزانه فذلك ما لم يثبت من سيرته، إذ قد عرف بالسعة فيما توجبه منزلته: من الظهور بمظهر الغنى والبسطة، ومن اعطاء الجرايات الشهرية لأفاضل مدرسته وأصدقائه، ومن حبسه قرية على كاغد الفقراء، واهدائه الهدايا الجسام لزعماء القبائل حين يجتاز البادية إلى مكة.
وان أريد بالبخل عدم الأخذ بأساليب الأجواد من كرام الأشراف والأمراء والخلفاء، وذلك بالانفاق في اسراف على الشعراء، وبخلع الخلع للمادحين لهم وبالعطاء المتسع لكل مجتد وطالب، حتى ينتقل الثري منهم ما لم يكن وهابا نهابا بين عشية وضحاها من غني إلى فقر، ومن ثراء إلى عدم، فذلك ما كان الشريف حقا عليه. ولكن هذا ليس بالصفة التي يعاب بها رجل العلم والدين.
لو كان الشريف من الأجواد لتسابق شعراء العصر إلى امتداحه، ولتزاحموا على بابه، ولديهم أكثر من سبب للقول فيه، والتغني بامجاده، ولكنهم كانوا نزرى القول فيه على كثرة المناسبات.
هذا مهيار الديلمي لم يحفل ديوانه الكبير بغير قصيدة واحدة في مدح الشريف، والقصيدة نفسها على ما احتوت من اطراء لا تخلو من تثريب على التباطؤ عن انجاز وعد كان الشريف وعده إياه، بل هي قيلت تذكيرا بوعد لم ينجز:
أبا القاسم استمتع بها نبوية * تراجع عنها الناس فيما توغلوا


[1] الديوان ج 3 ص 99.
[2] انظر مقدمة ديوان الرضي طبع بيروت.
[3] روضات الجنات ج 2 ص 575 طبع إيران.
[4] المنتظم حوادث 351 وتجارب الأمم حوادث 352.
[5] الشريف الرضي للدكتور محفوظ طبع بيروت سنة 1844.
[6] الديوان ج 3 ص 83.
[7] الديوان ج 3 ص 81، 82 قالها المرتضى جوابا " لهلال ابن المحسن " عن قصيدة أرسلها للمرتضى وفيها يقول هلال بن المحسن:
أسيدنا الشريف علوات عزا * تضاف إليك أوصاف الجلاله لأنك أوحد والناس دون * ومن يسمو لمجدك أن يناله ولى أمل سأدركه وشيكا * بعون الله فيك بلا محاله وليس على موالاتي مزيد * لأني لم أرثها عن كلاله [8] رياض العلماء ص 471 وروضات الجنات ترجمة المرتضى.

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 8  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست