responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 2  صفحه : 408

الشاهنامة مشتملة على معان مختلفة وليست كتاب قصص فقط ففيها فلسفة وأخلاق وغزل وبالجملة فيها تمام فنون الشعر والفردوسي خرج من العهدة في جميعها وأدى حقها كلها.
المحاورات اللطيفة والايجاز البليغ موجودان في غالب أقسام الشاهنامة مما لم يتيسر لاحد من فحول الشعراء إلى المتوسطين، وكل من وقف في ميدان المقابلة لها رجع مكسورا مهزوما.
أسلوب نظم الشاهنامة مقتبس من أسلوب القرآن الكريم. وكذلك الكنايات المقبولة التي في أشعار العرب يأتي بها بنفسها أو بترجمتها وقد تكون أحسن من الأصل ومن هنا يعلم أن الفردوسي كانت عنده مادة غزيرة من أشعار العرب. ويحتمل قويا ان يكون أستاذا في العلوم العربية ولكنه كان لا يستعمل الألفاظ الخارجة عن اللسان الفارسي ومن يقرأ الشاهنامة قلما يحتاج إلى كتاب لغة الا نادرا اه وقال بعض فضلاء الإيرانيين في وصفها: الشاهنامة هي المرجع المهم في التاريخ والأدب الفارسي لجميع الأدباء والمؤرخين مرجع سهل على المتأخرين سبيل الشعر وهو كنز اللغة الفارسية وقاموسها الرحيب فليس هو كتابا تاريخيا يشتمل على ذكر الملوك والأبطال وقضايا إيران وحوادثها الماضية فحسب بل هو محتو على أغلب فنون الأدب ففيه حكمة وغزل وأخلاق، كما أن فيه قصص الحروب والأبطال وجميع نواحي العواطف الإنسانية من حب وهيام.
على أن ملحمة الشاهنامة لا تكتفي من الحوادث بسردها فقط ولكنها تربط العلل بمعلولاتها والآثار بمؤثراتها وتشير إلى أسباب الطبيعة في سائر القضايا وتتحدث عن الخصائص الاجتماعية ولا تكاد تبدأ بقصة أو تختمها حتى تتوجها بالعبرة وتحذر من الاغترار بالدنيا والركون إليها وتقرنها بما يلائمها من النصائح المناسبة لوقائعها المشاكلة لحوادثها وكل هذه القصص ذات الأحداث الرائعة والقضايا المتسلسلة والحقائق العالية والأفكار الرحيبة يجليها في أوضح مجاريها ويخرجها في أصدق صورها فتجد القصة مكتوبة منظومة وتحس بها كأنها واقعة مشاهدة تراها رأي العين وتتحقق من مناظرها وابطالها كأنك تعيش معهم وتحيا بينهم في أسلوب قريب أيضا تتعشقه كل نفس ويستمرئه كل ذوق وهذا ما جعل الشاهنامة نشيد الخاصة والعامة على السواء واتخذ أنيس المحافل فهو يبعث كوامن العواطف والاحساسات ويحمل النفس على التحلي بالشجاعة وركوب الأخطار وقوة العزيمة والاصطبار على نوائب الأيام.
وقد أجمع علماء الشرق والغرب على رأي واحد تجاه الشاهنامة هو اعتبارها أدبا عاليا وشعرا في اسمى طبقة لم يتوجه إليه أحد بنقد ينال من سمائها عدا البروفسور براون فقد ذكر في مؤلفه في الأدب الفارسي ان الشاهنامة ليست في المستوى العظيم من الشعر ثم إنه لا يجحد مكانتها في اللغة والأدب والتاريخ على أن مستر براون هو الذي انفرد بهذا الشذوذ وهذا التفرد الغريب في نقده ولكن اجماع علماء الأمم وأدباء العالم مع تباين الأذواق والنزعات على تقديرها والحفاوة بها هو أعظم رد على نقد المستر براون وأكبر برهان على القيمة التي حازها الفردوسي وليس بضائره بعد ذلك شذوذ فرد وانفراد رأي. على أن كل شعب اعلم بأدبه وخصائص الشعر فيه وأقدر على التمييز بين الغث والسمين فان الحالة الفنية تقضي امتزاجا تاما بالبيئة التي صدر عنها ذلك الفن ونشأت فيها تلك الصور الأدبية وليس من شك في أن مثل براون يعوزه الاتصال الكافي بالفرس من جهات عديدة فمع احترام رأيه فان هذا الرأي خارج عن الصواب ولا سيما إذا لاحظنا ان شعراء عديدين حاولوا تقليد الفردوسي ونظموا الحوادث والملاحم فما بلغوا شاوه ولا ظفروا في محاكاته بطائل ونحن لا ندعي ان كل بيت في الشاهنامة هو بيت القصيد فان سفرا جامعا مثل هذا الكتاب فيما حوى من حوادث وقصص واسعة الأطراف لا تخلو أن تكون بعض أشعاره خيرا من بعض واعتراف الشعراء أنفسهم وهم أولى الناس بتقدير فنهم، فيه غناء عن الدفاع عن مقام حرمتها.
مقتبسات معربة من الشاهنامة ما ذا تريد من الحياة الطويلة المدى وهي مقفلة الأسرار والغيوب فإنها تربيك أولا بشهد اللذات ولا تسمعك الا ارق النغمات فتظنها قد بذلت لك كل حبها وهي لا تعبس في وجهك فأنت بها فرح تبذل لها ودائع قلبك وأسرار نفسك ثم تلعب معك دورا بعد ذلك يترك قلبك داميا هكذا هذه الحياة المنقضية فلا تبذر فيها الا بذور الخير.
تعال بنا، لا نودع هذه الحياة بسوء، ولنكن مجدين في أن ننال منها يد الخير، لا شئ من الخير والشر يبقى أبديا، فاجمل بنا أن يكون الخير هو الذكرى بعدنا، ان كنز الدنانير وقصور الذهب لن تكون لك بنافعة ولكن الكلام هو الذكرى الباقية فلا تظنن الكلام أمرا هينا:
ان أفريدون فرخ ما كان ملكا * ولا كان مخلوقا من مسك وعنبر ولكن بالعدل والجود وجد هذه الذكرى * فكن جوادا عادلا تكن أنت أفريدون اني أحب من الحياة زاوية * أجد وأجتهد فيها لجمع زادي لا تؤذ نملة تجر الحبة إلى قراها * فان لها روحا والروح حلو لذيذ انه لحجري القلب أسوده * من تكون نملة منه في ضيق أيتها الحياة كلك وهم وانتفاخ * لا يكون العاقل بأفعالك طروبا إذا نظرت إلى أفعالك * لا أجد فيها الا خيالا وما أحسن الذي يجعل الذكر الجميل * فيك أثرا سواء أ عبدا كان أو ملكا لا تركن إلى هذه الحياة ولا تأمن بسرائرك لها فان لها في كل حين طرازا من اللعب جديدا ترفع واحدا من مجرى الأسماك إلى مسرى القمر وتخفض الآخر من السماء إلى الهاوية:
ان الحياة عبرة وحكمة * فلما ذا يكون نصيبك فيها الغفلة لقد أكثرت تشاغلك بالحياة وحرصك عليها حتى مضى أصحابك عنك * وبقيت وحدك في تشاغلك

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 2  صفحه : 408
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست