responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 410

بها الفقه، ويفهم بها الشرع الاسلامي العظيم.
وليس سهلا يسيرا ان يكون الامام الديني بهذا العقل وبهذه الطريقة، ولكن من السهل اليسير ان يكون الامام الديني ضليعا بالفقه وعلوم الشريعة، بل هم كثيرون الذين يضطلعون بعلوم الأولين والآخرين من شؤون الشريعة والدين، ولكن أين فيهم البصير النير النافذ الفكر الواسع الأفق الذي ينظر هذه النظرة العملية السمحة للشريعة؟ أين فيهم المفكر بهذا اللون من التفكير الصالح المنتج الذي يجعل من دين محمد بن عبد الله دين الأزمان والأجيال ومن فقه محمد بن عبد الله أسلوب الحياة الدائم ومن شريعة محمد بن عبد الله شريعة الدنيا وشريعة الأمم كافة؟
أين فيهم هذا بعد اليوم، اي بعد ان فجعنا بهذا الفقيد الكبير العظيم؟
لا نقول ذلك متشائمين قانطين يائسين، فإنه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون.
ولكن نقول ذلك ونحن نتطلع إلى الوجوه من هنا وهناك، ونتطلع إلى انحاء العالم العربي والعالم الاسلامي معا، نبحث عمن يسد هذا الفراع الهائل الذي أحدثه السيد محسن الأمين الراحل، في صفوف الأئمة الدينيين والزعماء الروحيين، فلا نكاد نجد ضريبا له ولا مثيلا، وقد نجد ولكن في النفر الأقلين من الشيوخ الذين وقف بهم العمر عند مرحلة لا يستطيعون فيها النهوض بالعب ء الضخم الذي كان الفقيد الأمين ينهض به على شيخوخته وأثقاله الجسيمة.
كان السيد محسن الأمين بعقله وبصيرته وأسلوب تفكيره، يجاهد جهاد الأبطال من أجل ان يزيح هذا الركام الهائل من البدع والأوهام والأضاليل، عن شريعة محمد ودينه الخالد ورسالته الحية الدائمة.
لقد عرفنا من طبعه ودينه وايمانه وصلابة عقيدته، ما يبعث في عقله وفي نفسه معا الحماسة والنشاط والعزم والمضاء في محاربة تلك البدع والأوهام والأضاليل، وعرفنا فيه إلى جانب ذلك، جرأة القلب وثبات الجنان وقوة الصبر على العقاب التي تعترض سبيله، وعلى الأعاصير التي تحاول ان تعوق سيره، وعرفنا فيه رحابة الصدر في احتمال ما يثور بوجهه من غبار الخصومات.
ولقد يكون في أئمة الدين والزعماء الروحيين من تجتمع فيه هذه المزايا أو بعضها، ولكن ليس فيهم من يجمع إلى هذه كلها، استمرار الدأب على نشاط لا هدنة معه، ولا وناء ولا فتور حتى صار الدأب هذا طبيعة لازمة من طبائع الفقيد العظيم، وحتى صار النشاط هذا خطا مستقيما يمتد طويلا طويلا على مداه في السنين دون انحراف ولا انكسار ولا انحدار.
هذه آية رائعة كانت أظهر آيات العظيم الذي فقدناه، وهي التي كانت عونه الأكبر في انتاج ما انتج، وكانت العامل الحي في اخصاب يده وقلمه، حتى استطاع ان يتدفق في الأدب، والشعر، والفقه، والنقد، والتاريخ، تدفق المستوعب الممتلئ قلبا وعقلا ونفسا بكل ما كتب وألف وحدث.
من مراثيه للأستاذ كامل سليمان في رثائه:
لمن الموكب بين البلدين * مائجا سد فضاء الخافقين سار من بيروت لهفان الحشا * لدمشق... ودهى العاصمتين أقلق الأهل، فاصمى قلبهم * وتعداهم فهز الدولتين زحف الشعبان فيه، وهما * حسرة في القلب أو دمع بعين قد مشى لبنان فيه مرسلا * أنة في الشام كذلك أنتين جوانب انسانية بقلم: السيد فخر الدين هاشم الامام الأمين رضوان الله عليه، هو أحد أولئك الرجال القلائل صانعي التاريخ، ولقد أمده الله بالعمر الطويل العريض كتعبير الرئيس ابن سينا عندما قال: اللهم هبني عمرا قصيرا عريضا، ولا تجعله طويلا ضيقا.
عمرا طويلا بالكم، عريضا بالكيف، فإذا حياته الشريفة سفر حافل بالأعمال الجليلة الضخمة، وقد راح الدهر يكتبه على صفحة الزمن بقلم الخلود.
وتعالوا معي ننتقل الآن عبر التاريخ إلى صدر الاسلام لنرى كيف انه أعاد إلى أذهاننا سيرة الخلفاء الراشدين فكانت أعمالهم دستورا لحياته الشريفة، وعودوا معي إلى أيام الحرب العالمية الأولى، بما جرته من ويلات، لنرى كيف انه طبق تلك السيرة عمليا، واستعرضوا الماضي بأذهان صافية.
هذا الامام المحسن، قائم في بيته، في هدأة الليلة والناس نيام، لا تنظره عين سوى عين الإله الساهرة تحرسه وترعاه. وقد خيم البؤس على منازل أبنائه الروحيين، ويدخل إلى سمعه ثغاء أطفال تطلب القوت، ويطن في أذنيه كلام جده أمير البلغاء.
أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، ويهتز في موضعه، ويقوم إلى حواشي البيت يقتسم ما ادخره لعائلته من قوت، ويحمله على ظهره إلى منازل الجياع.
ويعود إلى مقره قبل ان يتنفس الصبح راضيا مطمئنا وقد أشبع النداء الداخلي الذي كان يدفعه للتضحية في سبيل المجتمع المنكوب.
انه بعمله هذا كان تجسيدا للعظمة الإنسانية الخالدة. وها هو ذا وقد لبى نداء ربه، وطواه الموت بردائه، لا يزال منارة للجيل والأجيال القادمة، باثاره وهي ملء السمع والبصر.
فهذا معهده في الشام، بسمة في جبين الدهر، يقذف بأشباله إلى معترك الحياة الحرة يثقف العقول، ويصنع الرجال الأشداء الأقوياء، يقودون الأمة إلى الخير، وكتبه المنتشرة، وهي مدارس سيارة تطوف الشرق والغرب، وقد افنى زهرة عمره الشريف في اخراجها آيات محكمات هن أم الكتاب.

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 410
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست