responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 405

ماييه، بل هي تتبدل بعض هذا من بعضه لأنها حقيقة اجتماعية عابرة لا تتحقق بذاتها مرتين كما انها عارية عن كل قيمة ثابتة. ومن ههنا يبدو ان كلمة رجل هي اليوم في دنيانا العربية المترهلة بالتفكك والانحلال عميقة جدا وثقيلة جدا لأن الرجال الذين تثقل بهم وتشيل باشباههم كفة الميزان قليل وكلمة كبير هي اليوم في هذه الدنيا ثقيلة جدا وعميقة جدا أيضا لأن الصغار فيها كثير. فإذا قلت رجل فإنما تعني شيئا نادرا في أمة ليس أشد منها فقرأ إلى هذا الشئ النادر وإذا قلت كبير لقد أردت شيئا نادرا كذلك. ولهذا وجدتني قد وفيت الامام الأمين حقه من الرثاء حين قلت فيه انه رجل وحسبتني بالغا في وصفه ما أريد وأزيد حين قلت فيه انه كبير.
ولا بدع في أن يكون لهذا الرجل الكبير جوانبه الكثار والمتعددات.
جانبه الديني وجانبه الإنساني وجانبه العلمي وجانبه الفني فقد كان رحمه الله علما بين رجال الدين، نقاء ضمير وسمو نفس وصفاء سريرة وقوة في التعالي عما يقع فيه صغار العاملين في الحقول الدينية من الوقوف عند الآفاق الضيقة المحدودة كما كان قمة سامقة بين رجال الفقه والقانون والاجتماع إلى جانب الرحمة التي استغرقت حياته فأشرق منها جانبه الإنساني، وذوقه وحسه اللذين ولجا به دنيا الأدب من باب فسيح.
ولقد وددت ان أتناول بالدرس من حياته جوانبها كلها لولا هذا الغموض واللبس اللذان يحيطان عواطفنا الاجتماعية فيدفعان بالواحد منا لأن يحذر فيسرف في الحذر ويحتاط فيغلو في الاحتياط فلنطو إذن أكثر هذه الجوانب لنقف عند واحد منها هو انسانيته فإننا اليوم أشد ما نكون حاجة إلى نماذج بشرية حية توقظ منا ضمائر غفت على قسوة ونامت على اثرة مفزعة لو عاد محمد إلى الوجود لكانت الوثنية الجديدة التي يقيم الأرض ويقعدها حربا عليها وجهادا لها.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي كنت في الشام. وحيثما كنت أحل، وبمن كنت اختلط كان الامام الأمين يذكر بالخير ويشهد له باليد البيضاء في رعاية الناس ونشر المحبة بينهم، في الجامعات وفي السوق وفي المكتبات. وكان المتحدثون اخلاطا شتى طلابا ومثقفين وأساتذة وأصحاب حرف، كلهم كان لسان حمد على هذه الإنسانية البارة الرحيمة. كان رحمه الله أول من التفت في الشام ولعل بغي الفرنسيين هو الذي دفع به إلى هذا إلى أن الحكومة لا يمكن ان تسأل عن كل شئ وان تعاون الناس بينهم هو خير معين على سد الحاجة واسكات عوز ذي العازة فبدأ بالمؤتمين بإمامته المباركة فدعاهم إلى انشاء ما يشبه صندوقا للضمان الاجتماعي يلقي فيه غنيهم وفقيرهم شيئا من المال يوميا ولا عبرة بمقدار ما يلقى. الفلس الواحد يكفي والمهم ان يلقى به في ذلك الصندوق. وكان المؤتمون بإمامته وما يزالون خلقا كثيرا ولم يكونوا كلهم فقراء، فلم يلبث الصندوق ان اخذ يمتلئ ويفرع ليعود إلى الامتلاء ثانية وثالثة وراحت الأموال تجمع في يد نظيفة لها عليها منها حاسب ورقيب فإذا بها تمتد إلى جروح كثار من جراح النفوس والأجسام فتمسح عليها فتأسوها وتبدلها من شرها خيرا ومن ضيقها سعة وانطلاقا ثم لم يلبث معهد علمي كبير هو المدرسة المحسنية ان نهض في الشام يتعهد بالرعاية والتوجيه نحو الخير والحق والجمال نفوسا طاهرة نقية فيعصمها من الألم وما يعقبه من تفتحها على الشر.
وهكذا كانت حياة الامام برا موصول الحلقات ورحمة واسعة تطوي بين جناحيها القريب والغريب دون مفارقة ولا تمييز حتى لكان الرحمة والحب والتسامح صورت جميعا في رجل فكانه هو.
هذه وقفة قصيرة عند جانب من تلك الحياة الضخمة الواسعة العميقة التي طواها التراب أمس في ظلال ضريح بطلة كربلاء في الشام فإذا استطاعت أن تكون دمعة وادعة تنساب في حركة ساكنة أو سكون حارق فهذا ما أريد والا فليس لي الا ان احمل الريح عزاء حزينا لأستاذي وصديقي حسن الأمين... الرجل الذي يحمل من آلام الفاجعة اثقلها عبئا لأنه الفرع الزكي من الدوحة التي حسر الزمان ظلالها عنه.
الشعر يؤرخ وفاته قال السيد حسين الكاشاني:
عبس وجه الصبح في رزئه * عن ليلة جاءت به أدجنا قلب الهدى عند رداءه انطوى * على المدى أو مثل وخز القنا أسال زفرة الأسى عبرة * آلت بان لا تبرح الأجفنا امين دين الله في ارضه * إذ خاره الله له مامنا والآية العظمى التي بينت * سر النبي المصطفى بيننا والعيلم الفرد الذي كل ذي * علم بفضل علمه أذعنا لم يجر في نادي العلى ذكره * الا عليه فاح ريا الثنا وما وعى شخص أحاديثه * الا بفضله اغتدى مؤمنا فرائد الفضل به نضدت * عقدا أبى غلاه ان يثمنا ان غاب شخصه فاثاره * سلوتنا ما استقصت الأزمنا وانه ان غاب عنا اقتنى * حظيرة القدس له موطنا ورحبت به وقد أرخت * رضوان حيا السيد المحسنا وقال السيد نور الدين الأخوي:
فجع الدين بالذي * كان نبراسه المبين وبكى الشرع أغلبا * طالما قد حمى العرين حجة الله الذي * حالف الحق واليقين والامام الذي به * كان يعتز خير دين أمة العرب والهدى * فقدت حصنها الحصين قال تاريخه لها * قد قضى المحسن الأمين صاحب أعيان الشيعة بقلم: الشيخ عبد الله الخنيزي ليس الامام الأمين عالما، من العلماء الأفذاذ، الذين يشار إليهم بالبنان فحسب... ولكنه يمتاز إلى جانب شخصيته العلمية الفذة بشخصية أدبية مرموقة، وشخصية تاريخية قوية، وشخصية عاملة مخلصة وثابة...
فهو رجل جمع شخصيات نادرة، تمتاز كل منها بالأصالة والجودة والقوة والخصب... فالحياة فيها دافقة ناضرة... وانه لمصداق لقولهم: أمة في رجل، وعالم في واحد.
ان حياته حافلة بالماثر الخالدة، والأيادي البيضاء من جلائل الأعمال التي تضعه في صف العظماء... من الخالدين، أو الخالدين من العظماء... فإنه شق طريقه إلى الخلود بيده المباركة، وتبوأ من الخلود

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 405
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست