responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 401

يكمل أعيان الشيعة ليزيد معرفة غيره معرفة.
أما الفيلسوف، وقد أسلم نفسه إلى عقله، فقد جعل الموت طعاما شهيا ولقن الناس ان يستفيدوا من أيامهم ما دامت تحت سلطانهم شرط ان يماثلوه في صفاء الضمير ونقاوة القلب.
وأما المجتهد الأكبر وقد أسلم امره إلى ربه، فقد جعل الموت شيئا اعتياديا وعلم الناس، وهو على فراش الألم والألم هو الفارق بين الإله والإنسان ان يبذلوا كل قواهم وكل طاقاتهم من مهدهم حتى لحدهم في سبيل الناس لزيادة معرفتهم معرفة شرط ان يضارعوه في عفة السريرة وطهارة الصدر.
ضدان التقيا على صعيد الترادف في صيرورة الإنسان ذاتا فعقلا وايمانا فعملا لسعادة مخلوقات الله.
وإذ علامة الرجاء المرتسمة على الأفق في شواطئ الأجيال تنتصب فوق شقرا الضيعة اللبنانية الذاهبة في الهدوء مثلا وعلى القناعة دليلا فيشرق منها السيد محسن الأمين بينما كانت غاية القرن المنصرم في الغرب اكتشافات تذيب مفاهيم المسافة والبعد والشوق والحنين وفي الشرق ثورات استقلال وحرية وانعتاق.
وترعرع هذا الوجه النبيل في ضيعته يحقق ذاتيته، وما اشتد ساعده حتى قصد العراق يصرف فيه شبابه ويدرس الآداب العربية والفلسفة ويتعمق في الفقه والاجتهاد ويتعرف على إنسبائه النبلاء في مزاراتهم ويتزود من وقائع أعمالهم عددا يجذب بها النفوس نحو الهدف الذي خلقت له.
هذا هو وقد ورث مالا وحطاما، وانتقل إليه مجد عال ومكانة رفيعة يسير إلى مخاصمة تنازع البقاء فيعوم على سطح الأمواج بالقوة حين يهبط اترابه إلى الأغوار، ويطوف على اغتلامها حين يغطس اقرانه إلى الأعماق.
وذاك وقد بزع من الطبقة المنقادة ومن الصفوف التابعة المراتب يتقلب فيها حتى وصل إلى الطبقة القائدة فاحتل مركزا يضع كل شئ تحت تصرفه ويحكمه في مئات من النفوس ويسلطه على ألوف من الأرواح.
وذلك نزل إلى ميدان الحياة همه الدرهم وشغله الدينار فطفق يغور وراء الفضة ويركض اثر الأصفر الرنان حتى صار يعرف بكم يساوي وكم يحوي كأنه سلعة تباع وتشترى أو كأنه متاع يعرض في واجهات المتاجر أو يبسط في المتاحف تسلية للعيون وفتنة للانظار.
وأولئك رعيل من البشرية يسيرون وراء كراز لا هم يدركون أين الغاية ولا هو يعرف أين المصير.
وهؤلاء قطيع من الآدميين شدوا إلى قاطرة تنتقل بهم على الخطوط لا يرتاحون في محطة حتى تسير بهم قاطرة جديدة إلى محطة جديدة فهم دوما على سفر لا يفهمون للراحة طعما ولا للسكون معنى.
وينظر السيد محسن الأمين إلى هذه الأشباح المتحركة فلا يجد مجدا يعلو على مجد العلم ولا شرفا يسمو على شرف الاجتهاد ويعود من العراق وقد عزم ان يعالج ذاتية الناس فيخلص القطيع من شروده والرعيل من ضلاله وهذا وذاك من الصلافة وذلك وهؤلاء من العيوب.
رأيته وهو ابن القرية يحادث أبناء القرى.
رأيته يجلس إلى الأمي الضائعة ذاتيته في مجاهل نفسه والشاردة في ذاتية التقليد والاحتذاء فيحادثه ويسامره ويجامله ويلاطفه حتى يفتح عينيه إلى عظمة الخالق المنتشرة في الزهرة السائرة عطرا في سفح الجبل والمدوية في الشمس وقد انطلقت منذ الأزل في الدرب الذي رسم لها كأنه سلك الهاتف أو خط الكهرباء ويفتح له نفسه على حب الله وعبادته ويعلمه ان كل لحظة من حياتنا ما كانت ولن تكون لولا حب الله لنا وان الله يحل ذاته في حبه إيانا ويلقنه ان وجودنا على البسيطة وهو انتظار موعد انحلال تركيبنا المعقد وعودتنا إلى من أحبنا وبه كنا ويبين له واجب محبة القريب وحسن معاملته ويشرح له ان صانع الشر ومقترف الذنوب ومرتكب الآثام والمعاصي يطلب دائما ان يعامل خلاف ما عامل لأن الإنسان ومصدره الخير يدرك عندما يعود إلى قرارة نفسه، ان الخير وحده جدير ان يصنع وهنا الغرابة والظلم من شيم النفوس وهنا الغرابة في أن يحتمل المظلوم الظلم دون شكوى كان دروس الأخلاق هي دروس لتعلم احتمال الشر والصبر عليه.
وإذا بالأمي الذي حرم كبرياء لصق الحرف بالحرف لخلق الكلمة وتوليد الفكر، يقبل على هذه الدنيا وقد عرف انها فيها وهو ذو خلق كريم، ولسان عفيف ويد طاهرة أعظم قيمة من غني، في ثروته درهم اكتسبه حراما، وارفع قدرا من ذي حول وطول اتى عملا ظالما أو ارتكب معصية.
ورأيته وهو العالم يحادث العلماء.
هو لطيف وقد وسم بالهدوء والاتزان وطبع حديثه على اللين والرقة، ناعم اللفظ حتى الخيال انه جهل كلمة خشونة وغفل عن لفظة جفاف، مستمع حتى الظن ان وقته موقوف إلى محدثه، وان عمله هو الاصغاء إليه والانتباه له، صبور حتى الاعتقاد انه جمع الصبر وضربه وهو في لطفه ونعومته واستماعه واصغائه وصبره ولينه، متحفز ابدا. يبتدر الضعف في مخاطبه حتى ينقض عليه: نسر علم وصقر ثقافة. ومتربص به الطريق يوازن بين كلامه ومنطقه حتى يهاجمه: حجة قاطعة وحكما مبرما ويجادله بالتي هي أحسن فيغادره وفي أركان نفسه انه قد فاز عليه، وفي عمد معرفته انه قد ظفر به وما هي الا مدة وجيزة حتى تتصارع في تفكيره جيوش الوعي واللا وعي وتتزاحم في حقل خياله اعلام خميسه العرموم ورايات كتيبته، فيشعر بأنه قد غلب على امره، وهزم في سره ولكنه لم يقوض له كرامته ولم يعدم له شخصيته، بل أرسله يعرف منزلته ويفهم مكانته، فيرجع إليه ليغرف من ينبوعه المتدفق وليعب من بحره الزاخر.
هو الجادة الواسعة والصراط المستقيم. وذلك الشعب الضيق والمعبر القصير. هو المنجم ينثر الجواهر والتحف، ويجود بالماس والتبر، وذاك المحفظة تجري وراء كنوزه تلتقطها حبا بنفسها وتجمعها استزادة لثروة معرفتها.
رأيته وهو المعلم يقود مدرسة.
رأيته معلما يحترم الناشئ للذاتية الكامنة فيه ولصيرورته المستقبلة ويعتبر الطالب للدرب الذي قطع من ذاتيته وللدرب الذي عليه ان يقطع

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 401
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست