responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 396

من تسامح وخير ونبل ومثالية وآلف بينها وبين أرواح الشهداء والصديقين بقدر ما ألفت بين قلوب العرب والمسلمين.
في مجمل خصائصه وخلائقه بقلم: الأستاذ وجيه بيضون.
إذا ما تحدثت انا عن المغفور له المجتهد الأكبر العلامة الأمين فحديثي عن مخالطة وملازمة وعن تجرد وتنزه وعن خبرة واختبار.
ان أبرز خصائص المجتهد الأكبر جده الدائب وعفته النزيهة وتواضعه الرصين ثم وطنيته الراقية.
وهي خصائص نادرة قلما توفرت إلى غيره توفرها إليه لأن إحداهن بمفردها لهي من الأخلاق الخليقة بان تسلك صاحبها في مرتبة الأماثل فكيف بها إذا هي توافرت مجتمعة لتؤلف شخصية جامعة لا تعثر على مثلها في السمو العلمي والنفسي الا حين ترجع بها إلى الندرة المختارة ممن انتهوا إلى ذروة العظمة والخلود.
والميزة درجات ولكن علامتنا الأمين بلغ منها الأوج السامق.
ففي دنيا الجد يكاد لا يضارع أو يبارى وله فيه من المجد ما يكلل بالاعجاب إلى اقصى حد.
والا فما قولك به وقد قارب التسعين ولم يكن له في توفير العيش معين ومع ذلك كان يصل الليل بالنهار دؤوبا على التأليف والتصنيف يجمع وينقب ويستقصي أو ينقل باحثا مفكرا أو يصحح رواميز الطبع منورا ومحورا ما يكاد يهدأ أو يقر بل لا يعطي جسده الا حقه الأقل من الراحة والجمام!...
بل انى يستقيم لنا الحساب، ولكأنه المعجزة، حين نعلم أن تواليفه نيفت على سني عمره وآخره الأعيان وهو وحده موسوعة في علم الرجال مجزأة إلى عشرات المجلدات، وفي المجلدة الأربعمئة أو الخمسمئة صفحة... أ تراه لو نقلها خاما لا أكثر ثم بوبها، ثم أعاد تلاوتها وتصحيح رواميز طبعها، فلكم تستغرق من الوقت، هذا فضلا عن عناء التأليف في المراجعة والمحاكمة والتقصي والتحقيق إلى آخر المتاعب في هذا الباب.
زد على ما تقدم انه كان يتفرع للقضاء بين الناس، ما يرد طالبا ولا يخذل قاصدا.
وفي كل عام كان يقصد إلى مسقط رأسه شقراء من اعمال جبل عامل ليتفقد ارضه ويراقب محصوله ويستصفي علاقاته بالناس وعلاقات الناس به.
وهو إلى هذا كله لا يطعم في الغالب الا طبيخ يده، ولا يستكفي حاجة يومه الا بنفسه.
ولقد نسيت ان أقدم لك انه يقيم الصلاة بالناس جامعة في أوقاتها ما يخرمها، وقلما فاته مجلس من المجالس الليلية المستدعية القائمة على الذكريات التاريخية المألوفة عند الشيعة الإمامية ولا يبلغه نعي أحد الا سار مشيعا معزيا.
واخشى الإطالة فأسرع بالقول ان مترجمنا رئيس لجمعيات علمية وخيرية عدة، لا تقطع إحداهن أمرا بغير رأيه ولا تبرم حكما من دون حكمه، ولطالما نسق الاجتماعات وألقى فيها من آياته البينات ما يستدر الأكف ويوجه التوجيه السديد.
وهذا الطراز من الجد النادر المتضاعف لما يعز منه المثال، وبخاصة بين المسلمين والشرقيين وهم في ركودهم المعهود وقنوطهم المشهود وعجز الخاصة منهم عن الجمع بين العلم والعمل.
ان علماءنا كثير، ولكن العاملين المنتجين منهم قليل، لانهم بين عالم لا يحمل من العلم الا سمته الظاهرة، وآخر كالشجر يعقد ولا يثمر، وبين عالم اتخذ العلم سببا إلى كل غاية الا غاية العلم، وآخر منتهى انتهاء فضله انه نسخة متكررة من بعض الكتب الشاحبة.
إما الشذوذ عن هذا المفهوم فهو مظهر الفضل في أصحابه لانهم يخرجون على أمثالهم مستكملين دورهم في حياتهم هداة بناة معا، ومثلا صالحة للاقتداء والترسم. ولهم نمطهم الخاص في الحياة العازفة يصرفون العناية كلها إلى الغاية العلمية والاصلاحية، متابعين السعي إلى أن يوفوا عليها ويصيبوها.
وجماع الخير عندهم ان يجودوا بما كسبوا ولا يحيدوا عما صمموا.
والعلم للمكسبة في حدود الأنانية الضيقة غير العلم يتسع ليعم ويستفيض كالنهر يروي ويحيي. ذاك استثمار التجارة السالبة وهذا استثمار التجارة السابغة، وثمة العلم لشتى النوازع، وهنا العلم لغايته ولا يطيق الانتهاء إلى مثل هذا المستوى الرفيع الا النفر المختار الذي تهيا له من شرف النفس وسمو الفكر وصفاء الروح ما يمكنه من ايثار البساطة وارتضاء الحرمان في سبيل المرامي المجردة.
قلت إن العلامة الراحل الكريم كان يمتاز بالنزاهة والتواضع إلى جانب الجد.
وما الحديث عن نزاهته وتواضعه بأقل شانا وخطرا. فله في هاتين المنقبتين ما يتوج والله بالفضل، ويضرب به المثل، ويؤلف خطة ناصعة في الاصلاح والتوجيه.
والنزاهة لا تستكمل حقيقتها الا بالحقيقة تكون مدارها ومناطها، فتجمع بين نزاهة القلب والوجدان، والروح والجنان، واليد واللسان، اي حين تكون نزاهة اقتناع وايمان لا نزاهة عجز وحرمان.
وليست تفتقد الثقة وتنحل الأمانة ويستفحل خطر الشر، الا حين تلتوي النزاهات إلتواءها منطوية على الزيف فتبدو كلاما معسولا، وعاطفة مشبوبة وسعيا باهرا، ورأيا ساحرا، ثم لا يكون قوامها الا المقاصد الخادعة الخاتلة.
فكمال النفس إذن شرط في النزاهة الكاملة.

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 396
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست