responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 392

الطين وسعف النخل ولكن منه انبعثت القوة التي حطمت تاج كسرى وقيصر ومنه شع النور الذي ملأ الآفاق والأكوان وبه سادت الفضيلة على الرذيلة وتغلب الضعيف المحق على القوي المبطل. أما القصور الشامخة إما ناطحات السحاب فأساسها البغي والاستثمار. وحيطانها التحاسد والتباغض وسقفها الطمع والجشع. وأثاثها العجب والرياء، من سكنها أغوته ومن اغتر بها أردته، والسلام على أمير المؤمنين حيث وصف المخلصين عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم والعكس بالعكس.
أنكر أهل الجاهلية رسالة الرسول الأعظم لأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولا يملك كنزا ولا بستانا أهذا الذي بعث الله رسولا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقي إليه كنزا أو تكون له جنة ولو كان محمد ص في هذا العصر لقال له البعض: كيف تكون نبيا وأنت لا تملك سيارة!
وما تجلت هيبة الحق في شئ كما تجلت في حياة متواضعة وزهد في زخرف الأرض وزينتها، كان للفقيد الذي لا يملك سيارة صور للهيبة والجلال تتعدد بتعدد من ارتدى عمة مثل عمته ولبس جبة وقفطانا كما لبس وقد أعار لكل واحد صورة أكسبته احتراما وتقديرا حتى إذا ذهبت تلك الصورة عن الدخيل واسترد المستعار برز الجميع عراة الا من لبس ثوبه من غزله وحاكه على نوله.
من مراثيه للأستاذ حامد يوسف في رثائه:
نبا روع القلوب الخوالي * مذ تواريت يا قليل المثال نبا راعنا وهد قوانا * ورمانا بحالكات الليالي فيئسنا لولا العزاء بصنع * لك يا خالدا على الأجيال يا أمينا بعهده لعلي * ووفيا بحبه للآل هات حدث عما رأيت من الدهر * وحدث عن أعظم الأهوال هات حدث فما عهدتك يوما * صامتا لا تجيد رد السؤال آية لو صح يا جليل فداء * لفديناك بالنفوس الغوالي عدو الاستعمار بقلم: الأستاذ علي بزي.
ان الأخلاق التي صورها الخيال وعجز عن الاخذ بها الإنسان وحسب الكثيرون تحقيقها اعجازا، قد عرفناها في الفقيد العظيم واقعا محسوسا، فكانت لا تظهر عظمة شخصيته التي ملأت العالم الاسلامي بأجمعه الا تواضعا ولطفا وايناسا أرانا بام العين ما قرأناه في بطون الكتب عن الأنبياء والمرسلين.
وكانت الفكرة مهما بعدت والأماني مهما عظمت وعزت حققها بكفاحه النادر وجهاده المتواصل عملا ناطقا واثرا مدويا.
لقد نشأ المغفور له يافعا وتتلمذ في المدارس الدينية على أيدي كبار العلماء في عصره في جبل عامل وأتم دراساته في النجف الأشرف وكنا نحسب ان هذه المدارس لا تنتج سوى المتفقهين في الدين فإذا بنا نرى في الفقيد المتشرع الاسلامي الذي لا يبارى، والأديب والمؤرخ والمحدث والمصلح الاجتماعي.
وتلك كتبه في جميع هذه العلوم حجة ناطقة وهذه مدارسه التي أنشأها للبنين والبنات في دمشق تعلم إلى جانب الدين مختلف العلوم العصرية واللغات الأجنبية تشعرنا بتفهمه لحاجات عصر، وفهمه العميق لكلمة جده الإمام علي ع:
نشئوا أبناءكم على غير ما نشاتم، فإنهم مولودون لزمن غير زمانكم.
وكان إلى ذلك كله يمتاز عن كافة رجال الدين والمصلحين بخلق ما خص به سوى الأنبياء والأئمة من أجداده: صداعا في الحق جبارا في مجابهة الناس سواء كانوا من علية القوم أم سواده لا يثنيه ثان عن الجهر برأيه وعن نصرة الحق والحقيقة.
ولقد أسس مدرسة للبنات في وقت كان الكثيرون يتحرجون في تعليم الصبيان ولم ينس العالم الاسلامي بعد حينما جهر برأيه في تحريم البدع والطقوس التي أدخلت في صميم الدين فرجع بالناس إلى العقيدة الاسلامية الصافية وارجع إلى الأذهان صور الأبطال الذين اقتفوا اثر محمد ص بان الاسلام بمثل هذه الروح حيث قال:
والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الامر ما فعلت.
عرفنا الاستعمار أول ما يتملق رجال الدين فيستصنع من يستصنع ويسكت من لم يقو على استصناعه بمختلف الطرق وشتى الأساليب. إما فقيدنا الكبير فان المستعمر لم يجرؤ حتى على الدنو منه بأي إغراء ذلك أنه كان يعرف ان المحسن الأمين لا يعتز الا بجاه العلم وثقة اخوانه المؤمنين المسلمين فلو أعطي ملك الأرض لما عادله بجزء يسير من هذا العز الخالد والجاه الصحيح.
وانى للمال ان يغري تلك النفس الكبيرة التي عرفت ان سر العظمة في العطاء لا في الاخذ، وان من وقف نفسه وحياته وقلمه وفكره على الناس هيهات ان ينفذ إلى الظفر بملاينته ومسايرته وقد كان سيفا مصلتا في وجهه طيلة حياته.
ولم تزل دمشق تذكر مواقفه العديدة في ابان نضالها حيث لم يكن يكتفي بالتأييد ولم يسلك السبيل التي سلكها اقرانه من الإفتاء بالجهاد فحسب بل كان يجاهد كأي مواطن يجمع الصفوف وينظمها ويحضها ويقوي من عزائمها حتى أصبح بيته في الشام محجة لقادة الوطنيين بها.
ولم يزل يذكر الوطنيون كلمته الخالدة لاحد القادة الإفرنسيين حين زاره في منزله بدمشق وتعرض لجلالة المغفور له الملك فيصل فقال له:
انك ضيف في منزلي، وحرمة الضيافة وحدها تمسكني عن اهانتك ولكن تأكدوا ان التاريخ لم يسجل ان القوة استطاعت الانتصار على الحق

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 392
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست