responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 388

يطوي الموت كل يوم من عالم علامة فلا يكاد يوارى التراب جسمه، حتى يمحى من الأذهان اسمه ولا لمال وثروة طائلة هو صاحبها، فقد قدم دمشق خلو اليدين، بعمته وعباءته، وخرج منها بعد ان أقام فيها نيفا وخمسين سنة، خلو اليدين، بعمته وعباءته وهما أشد بلى واخلاقا قدم دمشق يافعا يقطر ماء الشباب من وجهه، وخرج منها شيخا كبيرا أثقل جلال الشيخوخة كاهليه، ليعود إليها بعد حين جسدا ساكنا محمولا على الأكف والأعناق في موكب جحفل حافل، تلاقى فيه لبنان وسوريا ومشت فيه بيروت ودمشق، حكومة وشعبا، مما لم يعرف له مثيل من قبل. فليت شعري، ما هذه العظمة والأبهة. لمن كان يجفو العظمة والأبهة وهذا الاجلال والتكريم وهذه الحفاوة الكبرى بعد الموت، بمن لم يكن ذا مال ولا سلطان ولا باس ولا قوة في الحياة؟ والناس هم الناس كما نعلم. تلك عقبى الذين اتقوا عقبى الخلق الحسن، والعمل الصالح.
قدم المحسن الأمين دمشق، في عهد حجبت فيه نور الاسلام ظلمات المسلمين، فتقطعت فيما بينهم اواصر المودة، وتشعبت بهم الطرق، فتفرقت بهم عن السبيل المستقيم، وباتوا وقد عمت الأمية فيهم، يتخطبون في ليل أليل من الجهل والضلالة يحرمون العلوم الكونية والعقلية، والاجتماعية ويرمون بالزندقة والكفر كل داعية للاصلاح، ويجبهون بالقوة والعنف، كل حركة ترمي إلى التجدد والنهوض والتحرر، فمشى، وهو الفقير المستضعف مع الركب حينا، يستمد من ضعفه قوة، ومن ضلاله هدى، ومن جهله علما. يخاطب الناس على قدر عقولهم، ويدعو إلى سبيل الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يجادل الا بالتي هي أحسن. لا يسألهم اجرا على عمله، ولا يضن على ما فيه نفعهم بشئ من كل ما تصل إليه يداه، حتى إذا وثق في قلوبهم من حبه. وفي نفوسهم من احترامه والثقة بعلمه دعا إلى الاصلاح عن طريق العلم والتعليم، وان العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فانشا جيلا جديدا كان معه حربا على ما أورثته الأجيال والسياسات المضللة الغاشمة من بدع وخرافات وأساطير، شوهت محاسن الاسلام، وقوضت سلطان المسلمين، ولا يسعني الا إذ أذكر في طليعة هذا الفوج المجهز بالعلم الصحيح، والخلق السامي، فقيدنا الأديب الكبير المرحوم أديب التقي الذي كان له في معركة الاصلاح الأولى قصب السبق والحظ الأوفر.
وما ان وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها حتى بدأت مرحلة جهاده الأكبر، التي أسفرت عن انتصاره الباهر، بعد حرب ضروس، أبلى فيها بلاء حسنا، على تقويض دعائم كثير من البدع الدخيلة، والمعتقدات الضالة الموروثة المتأصلة في النفوس. وعن فوزه الكبير، في صراعه مع حكومات الانتداب الفرنسي التي كانت تدعوه إلى قبول مبدأ الطائفية في سوريا وفيها شق عصا المسلمين إلى شطرين، مهددة تارة، وملوحة بالمال والمناصب الرفيعة تارة أخرى، فلم تلن له قناة، وكانت كلمته في جميع مواقفه انما المؤمنون اخوة.
إما الرحلة الثالثة من هذا النضال الجبار، فهي سعيه لانشاء هذه الروضة العلمية التي يزينها اسمه، حيث تقوم تلك الشجرة المباركة التي غرست حبتها يداه، فثبت أصلها في تربتها الصالحة، وسما فرعها إلى السماء، فأخذت تؤتي اكلها كل حين يساقط هذا على من تفيأ ظلها، وهز بجذعها وهو على الأرض، فتحيا به نفسه ومن أحيا نفسا فكانما أحيا الناس جميعا ويصعد ذاك إلى السماء، واليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه فتنعم به روحه، حسنة في الدنيا وحسنة في الآخرة، ذلك هو الخلود، ذلك الفوز المبين.
هذا ولا يسعني بالختام، الا ان أنوه بانتاجه العلمي والفكري والأدبي، الذي لا يقل روعة وعظمة عن انتاجه الاصلاحي العملي والامر الذي يدعو للاعجاب والاكبار في هذا الإنتاج ظهوره على غزارته وصعوبته في سني الشيخوخة المتأخرة التي يندر في رجالات هذا الشرق العربي من العلماء ان ينتجوا فيها.
ذلكم المحسن الأمين. الذي نحتفل الآن بذكراه: كما هو بصورته الحقيقية. اسلام صحيح وايمان قوي، وخلق كريم، وعلم نافع وعمل صالح، وتقوى وخشوع وتواضع وإباء، وجهاد في سبيل الحق لا تأخذ فيه لومة لائم، وصبر اولي العزم: الذين لهم ان يكونوا في الدنيا قادة، وفي الآخرة قدوة، وكذلك نجزي المحسنين.
الكبير المتواضع [1] بقلم الشيخ احمد رضا أربعون يوما مضت على الثلمة الكبرى والفاجعة العظمى التي حلت بالدين وعم مصابها الاسلام والمسلمين بفقد مجتهدنا الأكبر المحسن الأمين.
أربعون يوما مرت لا تخمد فيها لوعة ولا تسكن حسرة، ففي عاملة مناحات وماتم وقلوب اخذ الأسى بمجامعها فهي واهية وفي دمشق صراخات هاجها الحزن وانطلقت داوية وعيون قرحها البكاء فسالت دامية، وفي العراق نفوس سلبها المصاب رشدها فهي حيرى وفي فارس لواعج واشجان وفي الهند وباكستان نواح وارنان وفي الجأوا وسنغافورا ذكريات وحسرات، بلاد عرفت قدر الفقيد فألقت إليه أزمة تقليدها واسترشدت بفتاويه فهي عاملة عليها.
سادتي، ان جبلنا العاملي المسمى سياسيا اليوم لبنان الجنوبي ما زال منذ القرون الخالية يطلع على العالم الاسلامي بنوابغ العلماء ومجتهدي الفقهاء الذين أشرقت في أفق الكيان الاسلامي آثارهم الساطعة بنور العلم وأشعة الهدى فخلدت أسماءهم في هذه الدنيا ورفعت منزلتهم في الآخرة.
ففي أواسط القرن الثامن طلع نجم الشهيد الأول محمد بن مكي

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 388
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست