responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 350

الياء وهو شيخ كبير السن أعور اعرج لا يستطيع المشي لكن معه حمار صغير يركبه فكان هو نصيبنا فقبلنا به إذ لم نجد سواه متوكلين على الله فظهر ان الحاج فليح سلمه الله تعالى رجل صليب العود قوي البنية قد عركته الأسفار وعلمته تجنب الأخطار والأمن من العثار وخرجنا من حلب على اسم الله تعالى قاصدين العراق وركب الحاج فليح حماره الصغير وقاد بغلة الكجاوة وفيها عيالنا واحدى بنات عمنا وجعل يقول تأخروا عن درب الخشابات ويكرر ذلك حتى صار أمام الجميع ومشى على متن حماره الصغير وكانه قائد جيش على متن جواد مطهم. ومررنا بمكان قد غمره الماء ولا مناص لنا عن عبوره وفيه حفر كثيرة فجعلت البغال تعثر في تلك الحفر وتقع عنها الأحمال والكجاوات الا من نجي الله إما الحاج فليح فعبر ببغلته من مكان بحيث لم تبتل حوافرها وتخطى بها كما يتخطى العصفور ووقف في ذلك الجانب مستقبلا ببغلته القوم ونزل عن حماره وجلس ينتظر عبورهم وهم يعجبون منه كيف استطاع العبور ولم تبتل حوافر بغلته وسرنا حتى وردنا قرية تسمى جبرين وهي على مسافة أربع ساعات من حلب فنزلنا خارجها وضربنا خيامنا وذهبنا إلى القرية لنشتري خبزا وبيضا فقيل لنا ان ذلك يوجد عند شيخ القرية فوجدناه جالسا في ديوانه وحوله أهل القرية فطلبنا منه ان يبيعنا خبزا وبيضا فقال أنتم مسافرون للعراق قلنا نعم، وتزورون الشيخ عبد القادر الجيلاني الباز الأشهب قلنا نعم قال هاهنا ابن أخته وقد اشتهى يوما لبنية فقذف له خاله اناء فيه لبنية من بغداد وأشار إلى جبرين فوصله حارا وكان هنا رجل أعمى فاستشفى بقبره فعاد مبصرا وهو هذا وأشار إلى شاب جالس أ ليس كذلك يا فلان فقال له الشاب بلى فقلنا له قد طال علينا المجال فقم وائتنا بالخبز والبيض فقام وأتى بهما واشتط في ثمنهما.
ومرض أحد رفقائنا وهو الشيخ نعمة الغول بالحمى التيفوئيد وكان الوقت في حمارة القيظ وكنا نسير الليل كله وننزل النهار كله وما حال محموم محصور في كجاوة لا تسع غير مقعده محبوس فيها طول الليل فبينما نحن نسير في جوف الليل في فلاة ليس فيها انسان ولا حيوان ولا نسمع فيها غير أصوات الأجراس المعلقة في أعناق البغال إذا بصائح يصيح يا زوار هذا رفيقكم قد ألقى نفسه من الكجاوة، والقوم كما قال الشريف الرضي:
وقيذين قد مال النعاس بهامهم * كما أرعشت أيدي المعاطين قرقف فناديت رفيقي الشيخ موسى قبلان أين أنت قال ها آنذا قلت انزل فنزلنا ورجعنا إلى الوراء وإذا بالمحموم ملقى على الصعيد وزوجته إلى ناحيته تبكي وعلى يدها ولدها الرضيع والعكام يمسك بزمام البغلة وهي تجاذبه الزمام تريد اللحاق بالقافلة فقلنا للمريض قم واركب فابى فحملناه بيننا وألقيناه في الكجاوة واركبنا المرأة وابنها وقاد العكام البغلة وسار غير بعيد فالقى المريض نفسه من الكجاوة وهنا أسقط في أيدينا ولم ندر ما نصنع فقلت للعكام هل عندك حبل دقيق قال نعم فأخذته منه وشبكت به باب الكجاوة بعد ما أركبناه وزوجته فرام ان يلقي نفسه فلم يستطع. وسرنا حتى وردنا دير الشعار بفتح الشين وتشديد العين وتسمى أيضا دير الزور بفتح الزاي، والزور المكان الذي فيه شجر ملتف وبقربه زور يسمى زور شمر فلعله منسوب إليه وهي بلدة على الفرات نزهة ذات خيرات يزرع فيها البطيخ الأخضر فيكبر حتى تكون الواحدة كالجرة العظيمة وأكبر، يحكمها متصرف كان يرجع في ذلك الوقت إلى استانبول رأسا كمتصرفية القدس وهي الآن تتبع سورية فأقمنا بها يوما وأردنا الرحيل في اليوم الثاني فابى صاحبنا المريض فتعهدنا للمكارية بعليق دوابهم فاقاموا ذلك اليوم حتى أقنعناه بالسفر.
والتقينا في بعض المنازل وأظنه الحديثة بالشيخ محمد دبوق شريكنا في الدرس وكان قد سافر إلى العراق لطلب العلم فبقي مدة في النجف وعاد لانحراف مزاجه ومعه الحاج محمد علي رضا الدمشقي فانسنا بهما وكانا قدما مع ركب الحاج الإيراني. والحديثة مدينة قديمة وهي اليوم قرية حقيرة من جانب الفرات الشرقي ومنزل القوافل في الجانب الغربي فيجئ النساء باللبن والزبد يبعنه على القوافل ويعبرن الفرات على الظروف المنفوخة أو القرع الكبار كما يمشي أحدنا في الطريق وسرنا حتى وردنا عانة أو عانات وهي ممتدة على الفرات مسافة ثلاث ساعات ويوازيها جبل ممتد والمسافة بينه وبين الفرات قليلة لذلك كانت بهذا الطول ويقابلها راوة في الجانب الآخر من الفرات، وطلبنا في عانة باذنجان وغيره عند العصر فلم نجد فقال رجل انا آتيكم بذلك من راوة فاخذ منا ربع مجيدي وعبر على الظرف المنفوخ أو القرعة وجاءنا بما طلبنا. ولا أزال أتذكر نجمة الخبازة التي جئنا إلى منزلها وهي تخبز على التنور ضاحكة مسرورة فاشترينا منها خبزا وشربنا الماء في آنية مصنوعة من القش مطلية بالقار من حب مصنوع ومطلي به.
وكان معنا رجل يسمى الحاج عباس هو شيخ العكامين فكان إذا سأله الأعراب عن القافلة يقول هؤلاء حرم المشير وكان المشير قد سافر من الشام إلى العراق قبلنا بأيام وكان على أعطية الكجاوات مرسوما الشعار العثماني الهلال والنجمة فجاءنا في بعض المنازل بدوي يشتكي على آخر انه سلب منه نعجة ويطلب إلينا تخليص حقه فقال له الحاج عباس: الباشا نائم فلا ترفع صوتك وكان معنا نصراني يلبس اللباس الفرنجي ومعنا رجل معه بندقية مزدوجة فحملها وركب بغلا وذهب مع البدوي وارجع له نعجته وعاد.
ونزلنا في منزل يسمى القائم وفيه مدير ودرك فقيل لنا ان عرب عنزة تمر في طريقنا وهي راحلة ويخشى منها فلو طلبتم إلى المدير ان يرسل معكم بعض الدرك لكان أوفق ورغب الدرك في ذلك وحثونا عليه طمعا في الجائزة فطلبنا ذلك من المدير فابى لأنه ليس معنا أمر بذلك وفي اليوم الثاني التقينا بالاعراب راحلين كأنهم الجراد المنتشر فلم يتعرضوا لنا بسوء وشاهدنا نساء الشيوخ بالهوادج كل واحدة في هودج عليه غطاء من الصوف المنسوج المصبوغ بالحمرة وفي ذلك أقول من أرجوزة في وصف هذه الرحلة:
يحملن فوق الضمر الهوادجا * من احمر الصوف اكتست نسائجا كأنما الأظعان والحدوج * كواكب تضمها بروج وكانت النساء البدويات يأتين فيرفعن غطاء الكجاوات وينظرن إلى النساء الحضريات ويعجبن منهن. وكنا نبيت في ذلك البر الأقفر والصحراء الخالية بكل أمان واطمئنان حتى نزلنا منزلا بينه وبين بغداد نحو ثلاث ساعات فقال لنا المكارية هذا منزل مخوف فاحترسوا هذه الليلة من اللصوص فقلنا يا سبحان الله لا نأمن قرب مدينة بغداد ونامن في الصحراء المقفرة فبتنا في ذلك المكان ولم نر مكروها.
في الكاظمية وبغداد وفي اليوم الثاني عند الأضحى لاحت لنا قباب مشهد الكاظمين يلمع

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 350
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست