responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 344

جاء بجرته من بنت جبيل إلى عيناثا ليحمل بها الماء وما دعاه إلى ذلك الا الضرورة. منظر يرق له الجلمود، فأخذتهن الرقة، ولم يكن عندهن قساوة موسى قليط فملأت إحداهن له الجرة برفع الماء بالسطل من العين ووضعه في الجرة وهو لا يخلو من مشقة فشكرها الشيخ على ذلك وتناول الجرة بإحدى عروتيها ليضعها على كتفه فانفلقت فلقتين، والعادة ان تحمل الجرة بكلتا عروتيها فحمل نصفها بيده وأتى، وحينئذ لم يبق من حيلة الا عرض الأمر على المرجع الأعلى الشيخ موسى فأخبرناه بذلك فقال خذوا من بئر الجامع فاشترينا جرة وحملها الشيخ محمد إلى الجامع عند العصر في وقت اجتماع نساء آل البزي على البئر للاستقاء فطلب من إحداهن ان تملأها له فأجابت وملأتها فطلب منها نقلها إلى المنزل فقالت له يا روحي انا تركت عدسي على النار وأريد ان اطبخ لأولادي وحملت جرتها وانصرفت وطلب إلى الثانية فقالت تركت ولدي يبكي وأريد ان اذهب والى الثالثة فاعتذرت بما يشبه اعذار رفيقاتها وهكذا حتى بقيت واحدة فاعتذرت وحملت جرتها لتنصرف فلما رأى ذلك الشيخ محمد وضع العباءة الجليلة المقدم ذكرها على عاتقه وحمل الجرة ووضعها فوقها لكنه تناول الجرة هذه المرة بكلتا عروتيها وعلمته الجرة المكسورة في عيناثا كيف يجب ان يتناول الجرة المملوءة وكان الشيخ موسى والحاج سليمان البزي جالسين قريبا من ذلك الموضع فأشار الشيخ موسى إلى جليسه ان يأمر من يحمل الجرة عن الشيخ وكانت المرأة الأخيرة قد وصلت إلى باب دار المسجد فصاح فيها الحاج ويلك احملي الجرة عن الشيخ فوضعت جرتها واخذت الجرة من الشيخ وحملتها إلى المنزل راغمة وأمرها ان تحملها كل يوم فكانت تفعل كذلك ووقع البلاء عليها وحدها، وفعل الشيخ محمد هذا الذي كان يفعله بدون مبالاة يدل على زهد عظيم وخلق كريم وطبع مستقيم. وكانت عادته في بنت جبيل وغيرها إذا التقى بامرأة في الطريق ان يقف ويدير وجهه إلى الحائط حتى تتجاوز المرأة عنه مع أن النساء هناك وان كن سافرات الا انه لا يبين منهن الا الوجه الوضوئي. وكنا نقرأ عند السيد نجيب في بيت رجل يسمى محمود أيوب وعنده أم تشبه أم الحليس قد تجاوزت السبعين وكانت تخبز يوما في زاوية البيت ونحن جلوس امام شيخنا وهي على يميننا فرأيت الشيخ محمد يتلوى ويتضور لوجودها عن يمينه فاضطررنا لجعلها خلف ظهره حتى يسكن والنظر إليها ان لم يوجب القئ فهو يوجب الاشراف عليه.
ثم إن الشيخ محمد المذكور طلب إلى الخدمة العسكرية في الرديف واخذ إلى سالونيك وجرت بيني وبينه مراسلات شعرية مذكورة في الرحيق المختوم وأسف الشيخ موسى لذلك كثيرا وكان يقول هذا الرجل ذهب مهاونة.
ومن السوانح التي جرت معنا في بنت جبيل اننا كنا نسكن في دار غربي الجامع الكبير وفيها بيوت كثيرة كل واحد منها ملك لشخص وتسمى تلك الدار بيت إبليس وهذا الاسم كان لها قبل ان نسكنها وهب أن فينا إبليسا أو أبالسة فلسنا نحن السبب في تسميتها بذلك وكان فيها جيران لنا لصقاء ليس بيننا وبينهم الا كواير لوضع الحبوب والدقيق لا تصل إلى السقف ولا تمنع سماع الصوت فاتفق ليلة من الليالي ان أرادوا جرش البرغل فجمعوا بذلك البنات الشابات حسب العادة وشرعن في الجرش وفي الأغاني المعروفة عندهن فمنعننا بذلك عن المطالعة فنهيناهن فلم ينتهين لأنهن انما ينشطن للعمل بسبب تلك الأغاني فإذا تركنها فترن عن العمل ويبقين كذلك إلى نحو من نصف الليل فتقدم لهن صاحبة البيت سليق الحنطة مع الدبس فيأكلن ثم ينصرفن إلى بيوتهن مشكورات مدعو لهن بعافية الأبدان من صاحبة البيت ومن يؤول إليها من بناتها وذوات قرابتها ولم يزل الجدال بيننا وبينهن قائما مدة طويلة بدون جدوى فأشار جارنا الآخر وهو اسكاف وعنده حمار قد خزن له تبنا ان نشعل النار في التبن ليصل الدخان إليهن فيضطرهن إلى السكوت فاتى بكمية من التبن إلى محل سكنانا وأشعل فيه النار فتصاعد الدخان وأصابنا منه اضعاف ما أصابهن قبل ان يصيبهن منه شئ ومع ذلك تغلبن علينا ولم يتركن ما كن فيه وكان هذا من الأعمال الصبيانية التي كان الأولى بنا تركها والصبر على ما حصل.
ومن السوانح انا كنا نسكن في مسكن قريب من الحوارة وهي مجمع للمياه تجمع في الشتاء لينتفع بها في الصيف وبقربها الجبانة فخرجت يوما والفصل شتاء لأتوضأ لصلاة الصبح فشاهدت رجلا موسوسا في الطهارة يصب الماء على يديه ورجليه وينتقل من قبر إلى قبر ويعيد صب الماء وقد صار جلد يديه ورجليه كأنما صبغ بالنيل لشدة البرد فتوضأت وذهبت إلى المنزل وصليت ثم عدت لأنظر ما انتهى إليه امره فوجدته على حاله الأولى يصب الماء وينتقل من قبر إلى قبر فعجبت من ذلك ولم يزل كذلك حتى طلعت الشمس وفاتته الصلاة وهو رجل عاقل متدين ليس فيه ما يعاب الا هذا الوسواس الذي اتبع فيه أمر الشيطان.
وفاة الشيخ موسى شرارة وبقينا في بنت جبيل إلى سنة 1304 وقد وصلنا في المعالم إلى مبحث الاستصحاب وفي شعبان توفي الشيخ موسى بمرض السل الذي كان متمكنا فيه من العراق. ورثيته بقصيدة مذكورة في الرحيق المختوم. وتفرقت الطلبة أيدي سبأ وذهب كل منهم إلى بلده على العادة المتبعة في جبل عامل ان عمر المدرسة ينتهي بعمر صاحبها وربما ماتت في حياته، وذهبت انا إلى بعض العلماء الذين اتوا من العراق بغية ان أتم عنده ما بقي من المعالم وأشرع في غيرها، فوجدت ان غاية ما يقدر عليه فهم ما تحت اللفظ من العبارة الذي لا يصعب علي فهمه بل ربما كنت افهمه أجود مما يفهمه، وطلبت منه ان يذكر لي ما تنطوي عليه حاشيتا سلطان والشيرواني فلم يكن ذلك باستطاعته فوجدت ان بقائي عنده نوع من العبث فتركته ولم تكن نفسي تميل إلى معاشرة العوام وكنت اقضي أوقاتي في التدريس والمطالعة والعزلة عن الناس ونفسي تتوق إلى الهجرة للعراق فلا أستطيع ذلك.
الطلب للعسكرية أولا وفي هذه الأثناء طلبت إلى العسكرية فاقتضى الحال السفر فسافرت إلى بلاد بعلبك مجتازا بالبقاع ومنها إلى بلاد حمص حتى انتهينا إلى قرية تسمى الغور بضم الغين تبعد عن حمص إلى جهة الغرب أربع ساعات ثم عدنا إلى الوطن ثم توفيت الوالدة ثم أصيب الوالد بنزول الماء على عينيه فكف بصره ولي شقيقتان لا كافل لهما غيري مع ضيق ذات اليد فيئست من طلب العلم لانحصاره في الذهاب للعراق وهو غير ممكن واضطررت إلى تعاطي بعض الأمور الدنيوية التي لم يسبق لي تعاطيها.
في الجولان فذهبت إلى الجولان مرتين لأنه كان لنا شريك على فرس أصيلة فبعته النصف الباقي لنا واخذت بثمنه بقرا إناثا وذكورا والعادة عندهم ان ثمن البقرة الفتية خمسمائة قرش والثور الفتي ويسمى عالولا ألف قرش ثم عدت

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 10  صفحه : 344
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست