responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 580

واستحسان إقامة الذكرى له: إن الأمة التي تعنى بسير عظمائها ومن امتاز منها بأمر في الدين أو تفرد بعمل من أعمال الدنيا وتعرف أخبارهم تحفظ تاريخ حياتها وتستفيد منه، والسيد الإمام أبو عبد الله الحسين ع ابن بنت رسول الله ص وريحانته وابن أمير المؤمنين علي ع ونشاة بيت النبوة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال من علو الهمة ومنتهى الشجاعة وأقصى غاية الجود وأسرار العلم وفصاحة اللسان ونصرة الحق والنهي عن المنكر وجهاد الظلم والتواضع عن عز والعدل والصبر والحلم والعفاف والمروءة والورع وغيرها، واختص بسلامة الفطرة وجمال الخلقة ورجاحة العقل وقوة الجسم. وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير، كالصلاة والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والاحسان. وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيدا بعلمه مرشدا بعمله مهذبا بكريم أخلاقه مؤدبا ببليغ بيانه سخيا بماله متواضعا للفقراء معظما عند الخلفاء مواصلا للصدقة على الأيتام والمساكين منتصفا للمظلومين مشتغلا بعبادته، مشى من المدينة على قدميه إلى مكة حاجا خمسا وعشرين مرة، وعاش مدة يقاتل مع أبيه أصحاب الجمل فجنود معاوية فالخوارج، فكان الحسين في وقته علم المهتدين ونور الأرض، فاخبار حياته فيها هدى للمسترشدين بأنوار محاسنه المقتفين آثار فضله، ولا شك ان الأمة تنفعها ذكرى ما أصابها من الشدائد في زمن بؤسها كما يفيدها تذكر ما كسبته من المآثر أيام عزها. ومقتل الحسين من الحوادث العظيمة وذكراه نافعة وإن كان حديثه يحزن كل مسلم ويسخط كل عاقل. وقال في الكتاب المذكور:
ومن عجيب أمره ع أن يقتله شيعته ثم يجددون الحزن عليه في جميع بلاد المسلمين كل عام من يوم قتله إلى الآن.
أقول: حاش لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين، وبعضهم أجلاف أشرار، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا إلى قتاله، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد، أما شيعته المخلصون فكانوا له أنصارا وما برحوا حتى قتلوا دونه ونصروه بكل ما في جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم وكثير منهم لم يتمكن من نصره أو لم يكن عالما بان الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة وجاء لنصره حتى قتل معه، أما ان أحدا من شيعته ومحبيه قاتله فذلك لم يكن، وهل يعتقد السيد علي جلال إن شيعته الخلص كانت لهم كثرة مفرطة؟ كلا، فما زال أتباع الحق في كل زمان أقل قليل ويعلم ذلك بالعيان وبقوله تعالى: وقليل ما هم، وقليل من عبادي الشكور. ومن ذلك تعلم الخطا في قوله ثم يجددون الحزن عليه الخ وهذه هفوة من هذا السيد الذي أجاد في أكثر ما كتبه عن الحسين ع في كتابه المذكور لكنه تبع في هذا الكلام عن سلامة نية من يريد عيب الشيعة بكل وسيلة ويستنكر تجديد الحزن على الحسين ع في كل عام. ثم قال ونعم ما قال: كما إن حياة الحسين ع منار المهتدين فمصرعه عظة المعتبرين وقدوة المستبسلين. أ لم تر كيف اضطره نكد الدنيا إلى إيثار الموت على الحياة وهو أعظم رجل في وقته لا نظير له في شرقها ولا غربها. وأبت نفسه الكريمة الضيم واختار السلة على الذلة فكان كما قال فيه أبو نصر بن نباتة:
- والحسين الذي رأى الموت في العز * حياة والعيش في الذل قتلا - ومع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصور بين فئته القليلة وجيش ابن زياد في العدد والمدد قد كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحير الألباب ولا عهد للبشر بمثلها كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها. وما سمع منذ خلق العالم ولن يسمع حتى يفنى أفظع من ضرب ابن مرجانة من ابن سمية بقضيب ثغر ابن بنت رسول الله ورأسه بين يديه بعد أن كان سيد الخلق ع يلثمه، ومن آثار العدل الإلهي قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء كما قتل الحسين يوم عاشوراء وان يبعث برأسه إلى علي بن الحسين كما بعث برأس الحسين إلى ابن زياد. وهل أمهل يزيد بن معاوية بعد الحسين إلا ثلاث سنين أو أقل. وأي موعظة أبلغ من أن كل من اشترك في دم الحسين اقتص الله تعالى منه فقتل أو نكب. وأي عبرة لأولي الأبصار أعظم من كون ضريح الحسين حرما معظما وقبر يزيد بن معاوية مزبلة. وتأمل عناية الله بالبيت النبوي الكريم يقتل أبناء الحسين ولا يترك منهم إلا صبي مريض أشفى على الهلاك فيبارك الله في أولاده فيكثر عددهم ويعظهم شأنهم. والذين قتلوا مع الحسين من أهل بيته رجال ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه كما قال الحسن البصري: وكانوا جرثومة الشهامة والشمم والقدوة في الصبر والحرب والكرم:
- وإن الأولى بالطف من آل هاشم * تأسوا فسنوا للكرام التأسيا - وكل من أصابته الشدائد جعل رئيس هؤلاء الكرام أسوة كمصعب بن الزبير وبني المهلب وغيرهم. ومقتل الحسين ع بغض بني أمية إلى الناس وأيد حجة أعدائهم وزعزع أوتاد ملكهم وكان أكبر أسباب زوال دولتهم. والحسين ع هو الذي عبد للأمم طريق الخروج على ولاة الفسق والجور ودعا إلى جهاد الظلم من استطاع إليه سبيلا فجاد بنفسه وبذل مهجته لإقامة الحق والعدل والسنة مقام الباطل والاستبداد والأهواء.
ولو قدرت ولاية الحسين ع لكانت خيرا للأمة في حكومتها وحياتها وأخلاقها وجهادها، وشتان ما السبط الزكي والظالم السكير يزيد القرود والطنابير، وهل يستوي الفاسق الجائر والعادل الامام، وأين الذهب من الرغام؟ لكن اقتضت الحكمة الإلهية سير الحوادث بخلاف ذلك وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له، واقتضت أيضا أن يبقى أثر جهاد الحسين ع على ممر الدهور كلما أرهق الناس الظلم تذكرة من ندب نفسه لخدمة الأمة فلم يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة لها.
الاعتذار عمن خذله قال السيد علي جلال الحسيني في كتاب الحسين: الصحابة الموجودون في عصر الحسين كانوا يعلمون فسق يزيد وظلمه فمنهم من رأى الخروج عليه كابن الزبير ومنهم من امتنع عن مبايعته كعبد الله بن عمر بن العاص حتى دعا نائب أمير مصر بالنار ليحرق عليه بابه، ومنهم من أبى الخروج عليه وقعدوا عن نصرة الحسين، وهؤلاء كان عدم خروجهم اجتهادا منهم، وهم إن قعدوا عما رآه الحسين حقا فلم ينصروا الباطل ولا لوم عليهم فيما فعلوا.
أقول: بل اللوم عليهم حاصل والاجتهاد في مقابل النص باطل، ومن خذل الحق فهو كمن نصر الباطل وكلاهما عن الصواب مائل لا يعذره عاقل، أما ابن الزبير فما كان خروجه إلا طلبا للملك ولو كان لنصر الحق لنصر الحسين وقد كان الحسين أثقل الناس عليه بمكة.

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 580
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست