responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 42

وتأسست من أجله المذاهب الدينية كالذي كان لشخصية علي.
ونقول: هذا دليل على عظم شخصية علي ع وانها لا تماثلها شخصية في ذلك العصر فلذلك دار الجدل حولها وأفرط فيها المحبون والكارهون وتأسست من أجلها المذاهب الدينية وكان عليه ان يعترف بذلك وقد اعترف به ضمنا وأما انه دخلها المبالغات والأكاذيب واختلق حولها المختلقون فمع تسليمه هو من أوضح الأدلة على عظم تلك الشخصية لجريان العادة بان من اشتهر بشئ أضيف إليه كثير مما هو من سنخ ذلك الشئ. ولكن ما يزعمونه مبالغات وأكاذيب واختلاق لعله دون الواقع لأنهم لا ينظرون عليا بالعين التي يجب ان ينظر بها. والعداوة له والتحامل عليه الذي نما ونشأ في الناس مع نشاة علي كما بيناه في الجزء الثالث في سيرته وخوف أوليائه أوجب اخفاء كثير من مميزاته وكان الظاهر منها دون الواقع لا أزيد منه كما أشار إليه من قال: ما أقول في رجل أخفى فضائله أعداؤه حسدا وأولياؤه خوفا وظهر من بين ما ملأ الخافقين. فليس الذي يوقف المؤرخ حائرا هو كثرة ما ورد لعلي من الفضائل والمزايا الذي زعمه مبالغة وكذبا، إنما الذي يوقف المؤرخ حائرا إنه كيف ظهرت هذه الفضائل والمزايا بين تحامل الأعداء وخوف الأولياء. وبعد فلا موجب لوقوف المؤرخ حائرا فالشمس الضاحية لا يمكن أحد اخفاءها وجحدها وإن لم ترها وجحدتها عين عمياء أو رمداء رأتها عيون كثيرة صحيحة. وإذا وقف مؤرخ جاء في زمن متأخر حائرا مدهوشا أمام شخصية علي واستكبر واستعظم ما ورد لعلي من الفضائل والمزايا فالمؤرخون السالفون من جميع مذاهب المسلمين قد رووها واعترفوا بها ولم يمكنهم اخفاؤها ولا انكارها حتى قال الإمام أحمد بن حنبل والقاضي إسماعيل بن إسحاق والنسائي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب، حكاه في الاستيعاب، إلى أن جاء في هذا الزمان من يزعم أن فيها مبالغات وأكاذيب تقليدا لأمثال ابن حزم المعلوم حالهم في التحامل الشديد على علي وأتباعه. وإن قال قائل بوقوع المختلقات والأكاذيب ضد علي في زمن بني أمية بما كانوا يبذلونه من الأموال وفي زمن غيرهم إلى يومنا هذا كان مصيبا ولكن ذلك لا يوقف المؤرخ موقف الحيرة فالعداوة والحسد تبعث على أكثر من ذلك.
قال: فقد رووا عنه 686 حديثا مسندا إلى رسول الله ص لم يصح منها إلا نحو خمسين. وذكر في الحاشية أن قائل ذلك ابن حزم في الملل والنحل.
ونقول: علي ع كان ملازما للنبي ص من صغره وبلوغه سن التمييز إلى ساعة وفاة النبي ص في سفره وحضره وليله ونهاره وحربه وسلمه فلا شك انه سمع منه وروى عنه ألوف الأحاديث لا هذا المقدار وحده ولكن الخوف الشديد أوجب الكثيرين ان يكتموا ما سمعوه منه فلم يكن يجسر أحد أيام الملك العضوض أن يروي عنه حديثا، وبعضهم كان يقول إذا حدث عنه أخبرني أبو زينب. وابن حزم المعلوم حاله في التحامل والتعصب في كتبه في الملل والنحل لا يستغرب منه أن يقول لم يصح عنه إلا نحو خمسين. وصاحب الفجر لم يكن له بد من أن يقلده في ذلك.
قال: ونسبوا إليه ديوان شعر ويقول المازني انه لم يصح انه تكلم بشئ من الشعر غير بيتين.
ونقول: هذا أيضا من ذلك الروي وعلى تلك القافية فقد بلغ الحال ان ينكر كل فضل لعلي يمكن انكاره حتى الشعر الذي لا يؤبه له وقد صح انه تكلم بشعر كثير غير البيتين المحكيين عن المازني، روى ذلك ثقات المؤرخين أمثال نصر بن مزاحم وغيره مثل: لمن راية حمراء يخفق ظلها.
لهمدان أخلاق ودين يزينها وغير ذلك مما جمعناه في ديوانه على الرواية الصحيحة. نعم الديوان المنسوب إليه لم يصح أنه جميعه له بل علم أن بعضه ليس له.
قال: [1] ونسبوا إليه ما في نهج البلاغة وقد شك في مجموعة النقاد قديما وحديثا كالصفدي وهوار الفرنجي في كتابه الأدب العربي واستوجب هذا الشك ما في بعضه من سجع منمق وصناعة لفظية لا تعرف لذلك العصر كقوله: أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير واصلك الذي إليه تصير. وما فيه من تعبيرات إنما حدثت بعد ان نقلت الفلسفة اليونانية إلى العربية وبعد أن دونت العلوم كقوله: الاستغفار على ستة معان الايمان على أربع دعائم، وكالذي فيه من وصف الدار وتحديده بحدود هي أشبه بتحديد الموثقين كقوله: وتجمع هذه الدار حدود أربعة الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات الخ هذا إلى ما فيه من معان دقيقة منمقة على أسلوب لم يعرف إلا في العصر العباسي كما ترى في وصف الطاووس.
ونقول: الحق ان الذين اظهروا الشك فيه ليسوا هم النقاد فالنقاد يجزمون لأول وهلة بان هذا الدر لم يكن ليخرج إلا من ذلك البحر وهذا الجوهر ليس إلا من ذلك المعدن فنهج البلاغة له منه عليه شواهد.
وإن الذي استوجب اظهار الشك ليس هو الأمور التي ذكرها وإنما الذي استوجبه كما قاله الأمير شكيب ارسلان في مجمع بدمشق هو اشتماله على بعض الكلام في حق الصحابة المقدسين في نظرهم والذي لا تقبل عقولهم أن يقول علي فيهم مثل هذا الكلام فالتجأوا إلى اظهار التشكيك في الكتاب كله. أما المستشرقون المبشرون أمثال هوار فالذي استوجب تشكيكهم فيه معروف معلوم يرجع إلى التبشير. وليس شئ أغرب واعجب من استشهاد المسلمين مثل مؤلف الفجر بأقوال أمثال هوار فما الذي يعرفه هوار وغيره من المستشرقين من أساليب اللغة العربية وبلاغتها مهما بلغوا في تعلمها حتى يشككوا في نهج البلاغة وهم لا تزال العجمة غالبة عليهم.
ومن المؤسف أن يعمد المسلمون إلى أعظم مفخرة للاسلام فيشككوا فيها وتبلغ بهم الغفلة إلى أن يمشوا وراء المبشرين في ذلك. ومن الغريب الاستناد في التشكيك إلى هذه الأمور الواهية التي ذكرها فالسجع والصناعة اللفظية إذا جاءت عفوا بلا تكلف هي من أقوى أنواع البلاغة وهي موجودة في القرآن الكريم وفي خطب ذلك العصر وكتبه. ومثل الاستغفار على ستة معان والإيمان على أربع دعائم ليس من الأمور الغامضة التي لا يمكن الاهتداء إليها إلا بالتعلم من فلسفة اليونان وتدوين العلوم. وكذلك وصف الدار وتحديدها وهل علمنا أن من كان يشتري دارا أو عقارا في ذلك العصر لا يكتب به وثيقة ولا يحدده بتحديد الموثقين. واشتماله على المعاني الدقيقة المنمقة أحرى بان يكون شاهدا لكونه من كلام أمير المؤمنين، ومن أكثر غوصا على المعاني الدقيقة وأعرف بتنميقها منه.
قال: وحكايته مع أبي الأسود الدئلي في وضع النحو معروفة مشهورة كل


[1] فجر الاسلام ص 183 الطبعة الرابعة.

نام کتاب : أعيان الشيعة نویسنده : الأمين، السيد محسن    جلد : 1  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست