ولو لم تطلع عليه
الأسنان في وقتها ، ألم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام وإساغته ، أو يقيمه على الرضاع
فلا يشدّ بدنه ولا يصلح لعمل ، ثمّ كان تشتغل امّه بنفسه عن تربية غيره من الأولاد؟
ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ، ألم يكن سيبقى في هيئة الصبيان والنساء ، فلا
ترى له جلالا ولا وقارا؟ فمن هذا الذي يرصده حتّى يوافيه بكلّ شيء من هذه المآرب
إلاّ الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن ، ثمّ توكّل له بمصلحته بعد أن كان ، فإن كان
الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد والتقدير يأتيان بالخطإ
والمحال لأنهما ضدّ الإهمال ، وهذا فظيع من القول وجهل من قائله ، لأن الإهمال لا
يأتي بالصواب ، والتضادّ لا يأتي بالنظام ، تعالى الله عمّا يقول الملحدون علوّا
كبيرا.
أقول : إن الإهمال
دوما يأتي بالخطإ كما نشاهده عيانا ، أرأيت لو وجّهت الماء الى الزرع وأهملت
تقسيمه على الألواح أيسقي الألواح كلّها من دون خلل ، أو إذا نثرت البذر في الأرض
من دون مناسبة أيخرج الزرع بانتظام ، أو إذا جمعت قطعا من خشب وواصلتها بمسامير أتكون
كرسيّا أو بابا من دون تنسيق.
ثمّ قال عليهالسلام : ولو كان
المولود يولد فهما عاقلا لأنكر العالم عند ولادته ، ولبقي حيران تائه العقل إذا
رأى ما لم يعرف ، وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير
إلى غير ذلك ممّا يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم ، واعتبر ذلك بأن من سبي من
بلد إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع في تعلّم الكلام وقبول الأدب
كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل ، ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه
محمولا مرضعا معصّبا بالخرق مسجّى في المهد ، لأنه لا يستغني عن هذا كلّه لرقّة
بدنه ورطوبته حين يولد ، ثمّ كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد
للطفل ، فصار يخرج الى الدنيا غبيّا غافلا عمّا فيه أهله فيلقي الأشياء بذهن ضعيف