واللطم [١]
في الدور والشوارع أوجبت تقدّم الطائفة ، وكان عمل الشبيه أوضح المصاديق والحجج
على القساوة التي جاء بها الاُمويّون ولفيفهم من تلاوة الشعر. وإنّ ذكر المصاب ؛
لتسرب ذلك بوضوح إلى أدمغة الأطفال والعامّة ، الذين لا يفهمون ما يشتمل عليه
القريض والكتب من دقائق الحادثة ، هو أحكم وآكد في تأثّر النّفوس ، واحتدام القلوب
في حفظ الروابط المذهبيّة بين الأئمّة (عليهم السّلام) ومواليهم ، وله نصيب وافر
في رسوخ العقيدة.
ولقد قلّد الشيعة في تمثيل فاجعة الطفِّ
غيرهم من الهنود وبعض فرق الإسلام ، وهم في الهند أكثر رواجاً من جميع الممالك
الإسلاميّة [٢].
فكان لفت الأنظار نحو هذه التذكارات ، والإعتناق
بها أمسّ في إحياء أمر المعصومين (ع) ، المحبوب لديهم التحدّث والتذاكر فيه. ولعلّ
جملة من هذه الفوائد لا تفهم الاُمّة منها النكتة المهمّة ، بل غاية ما يتصوّرون
من فائدة عملهم ، هو الثواب عليه في الآخرة فقط ، ولكنّ الواقف على أسرار أهل
البيت (عليهم السّلام) ، والمستشرف لمغازي أقوالهم وأفعالهم يتجلّى له ما ألمعوا
إليه من هذه النّوادي والمجتمعات ، وحثّوا شيعتهم عليه بمزيد لطفهم وواسع علمهم.
البكاء على الحسين
من تلك الفوائد ، ما ورد من الحثِّ
الكثير البالغ حدِّ التواتر على البكاء لما أصاب سيّد الشهداء (ع) حتّى جاء في
ثواب مَن خرج من عينه كجناح ذبابة ، أنّه يطفئ حَرّ جهنّم. فإنّ الغرض ليس إلا أنّ
الدمعة لا تفاض إلا عند انفعال النّفس ، وتأثّرها ممّا يصيبها ، أو يصيب مَن تمتُّ
به بنحو من أسباب الصلة. ولا
ويتلاقون بالبكاء
عليه بعضهم بعضاً في البيوت وليعزِّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين (ع) ، وأنا
الضامن على الله لهم إذا فعلوا ذلك أن يعطيهم ثواب ألفي ألف حجة وعمرة وغزوة مع
رسول الله والأئمة الراشدين عليهم السلام».
[١] روى الشيخ الطوسي
في التهذيب ٢ ص ٢٨٣ عن الصادق (عليه السّلام) أنه قال : «ولقد شققن الفاطميات
الجيوب ، ولطمن الخدود على الحسين بن علي ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب».
وذكره الشهيد في كتابه (الذكرى) ، في البحث الرابع من المطلب الثالث من أحكام الأموات.
[٢] ذكر الدكتور (جوزف)
الفرنسي في كتابه (الإسلام والمسلمون) ، الذي نشرت جريدة (الحبل المتين) منه فصلاً
بالفارسية في العدد ٢٨ من سنتها ١٧ : إن التمثيل والشبيه تداولا بين الشيعة من زمن
الصفوية ، الذين نالوا السلطة بقوّة المذهب ؛ بفضل مساعدة علمائهم الروحانيين.