وعلى هذه السُّنن مشى شهيد الكوفة مسلم
بن عقيل ، المُميّز في العلم والعمل ، ووفور العقل ، والملكات القدسية ، كما
يقتضيها تأهّله للولاية والنّيابة عن الإمام الحُجّة (ع). وقد كابد من شدّة الظمأ
ما يجوِّز له شرب النجس ، ولكن ابن عقيل كقمر الهاشميين رضيعا لبن واحد ، وخريجا
مدرسة الإمامة والعصمة ، فحازا أرقى شهادة في الإخلاص بالمفاداة دون الدِّين
الحنيف ، من أئمّة معصومين جعلتهما القدوة في الأعمال الصالحة. فكما أنّ مسلماً لم
يذق الماء حتّى لفظ نفسه الأخير ، لم تسمح نفس أبي الفضل في الورود ، حين زلزل
الصفوف عن مراكزها حتّى ملك الماء وحده ، وقد علم بعطش سيّد الشهداء (ع) ، وحرائر
المصطفى (ص) ، والصبية الفاطميّة. فلم تجوّز له الشريعة التي تلقّاها من أبيه
الوصي ، وأخويه الإمامين «إن قاما وإن قعدا» [١]
على حدّ تعبير النبي (ص) ، الريَّ من ذلك المعين ؛ تداركاً لنفس حجّة الوقت ولو في
آن يسير. غير أنّ المحتوم عاقه عن بلوغ الاُمنية :
لقد نهض أبو عبد الله الحسين (ع) بذلك
الجمع النزر ، المؤلّف من شيوخ وصبية ورضّع ونساء ، مع العلم بأن مقابليه لا
يرقبون فيه إلاً ولا ذمة. قادمين على استئصال شأفة النبي (ص) في أهله وذويه ، لكن
سياسة (شهيد الطفّ) ـ التي لا يُدرك مداها ، وتنحسر العقول عن تفسير مغزاها ـ
عرَّفت الأجيال الواقفين على هذه الملحمة ـ التي لم يأت الدهر بمثلها ـ بأعمال
هؤلاء الجبابرة ، الذين لم يُسلم أسلافهم حين أظهروه إلا فرقاً من سيف الإسلام. وقد
أصاب أبو عبد الله (ع)