وخرج عن طاعته ، بتذكير
آلاء الله تعالى المتتابعة على العباد مع ما هم عليه من التمرد والطغيان.
ثمّ يعرّفهم بأن الدنيا الزائلة لا تعود
على المنهمك فيها إلا بالخسران ، إذ لعل بالمواعظ القدسية ، وتلاوة الآيات المحكمة
، يستنير من أعمته الشهوات ؛ فيبصر سبيل الرشاد ، ويلمس الحقيقة الناصعة.
ولقد سار أمير المؤمنين (ع) على هذه
الخطّة التي سنّها قانون الإسلام في أيامه الثلاثة ، بعد الهتاف بأصحابه ألا
يتعدوا مقررات الشريعة ، ومنها : عدم الأستعجال في القتال حتّى تكون الفرقة
المقابلة لهم هي العادية بقتال المؤمنين ؛ لتثبت الحُجّة على البادي بالظلم [١].
وقد أكثر سلام الله عليه وعلى أبنائه
المعصومين ، من وعظ أهل الجمل وصفين والنهروان ؛ كي لا يبقى لأحد عذر يوم نشر
الصحف ، وتُدحض حجة كلِّ مَن بلغته دعوته وأصر على الخلاف والعناد ، فاستضاء
بأنوار إرشاداته مَن هداه الله إلى الإيمان ، وضلّ مَن ضلّ عن سبيل الحقِّ.
الحسين يوم الطفّ
وعلى هذه السنن مشى أبو عبد الله الحسين
(ع) يوم الطفّ ، فلم يبدأ القوم بقتال مهما رأى من أعدائه التكاتف على الضلال ، والمقابلة
له بكلِّ ما لديهم من حول وطول حتّى منعوه وعياله وصحبه من الماء ، الذي لم يزل
صاحب الشريعة (ص) يجاهر بأنّ الناس في الماء والكلأ شرع سواء ؛ لأنّه (ع) أراد
إقامة الحُجّة عليهم. فوقف في ذلك الملأ المغمور بالأضاليل ، ونادى بحيث يعي
الجماهير حُجّته ، فعرَّفهم أولاً ، خسارة هذه الدنيا الفانية لمَن تقلّب فيها ، فلا
تعود عليهم إلا بالخيبة. ثمّ تراجع ثانية إلى التعريف بمنزلته من نبيّ الإسلام ، وشهادته
له ولأخيه المجتبى (عليهما السّلام) بأنهما سيّدا شباب أهل الجنة. وناهيك بشهادة
مَن لا ينطق عن الهوى ، وكان محبوّاً بالوحي الإلهي أنْ تؤخذ ميزاناً للتمييز بين
الحقِّ والباطل. وفي الثالثة ، عرَّفهم أنّه يؤدّي كلَّ ما لهم عنده من مال وحرمات.
وفي الرابعة ، نشر المصحف