تكون تلك القوة بالغة
اقصى مداها ، فلا يتوقف من اُفيضت عليه عن جميع المغيبات حتّى كأن الأشياء كلَّها
حاضرة لديه على حدِّ تعبير الإمام الصادق (ع) ، اللهم إلا الأشياء التي استأثر بها
الله تعالى وحده ، فلا وقوف لأحد عليها مهما ترقّى إلى فوق ذروة الكمال.
وعلى هذا الذي قرره ابن حجر سجّل
اعتقاده النيسابوري صاحب التفسير فقال : إن امتناع الكرامة من الأولياء ، إمّا لأن
الله ليس أهلاً لأن يعطي المؤمن ما يريد ، وإمّا لأن المؤمن ليس أهلاً لذلك ، وكل
منهما بعيد. فإن توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده ، فاذا لم
يبخل الفيّاض بالأشرف ، فلأن لا يبخل بالدون أولى [١].
وقال ابن أبي الحديد : إنا لا ننكر أن يكون في نوع من البشر أشخاص يخبرون عن
الغيوب ، وكلّه مستند إلى الباري جلَّ شأنه بإقداره ، وتمكينه ، وتهيئة أسبابه [٢].
وقال لا منافاة بين قوله تعالى : (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا)
، وبين علمه (ص) بفتح مكة ، وما سيكون من قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فإن
الآية غاية ما تدل عليه : هو نفي العلم بما يكون في الغد. وأمّا إذا كان بإعلام
الله عز وجل ، فلا ؛ لأنه يجوز أن يُعلم الله نبيه بما يكون [٣].
آية التهلكة
ممّا قررناه تجلّى لنا : أنه لم يعزب عن
الأئمة (ع) العلم بالشهادة على يد من تكون ، وفي أي وقت تقع ، وفي أي شيء ؛
إقداراً من الله تعالى لهم بما أودعه فيهم من مواد العلم التي بها استكشفوا
الحوادث ، مضافاً إلى ما يقرؤونه في الصحيفة النازلة من السماء على جدّهم المنقذ
الاكبر (ص).
وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على
إزهاق نفوسهم القدسيّة ، وإلقاؤها في التهلكة الممنوع منها بنص الذكر المجيد ، فإنّ
الإبقاء على النفس ، والحذر عن إيرادها مورد الهلكة ، إنّما يجب إذا كان مقدوراً
لصاحبها ، أو لم يقابل بمصلحة أهم
[١] النور السافر في
أعيان القرن العاشر ص ٨٥ لعبد القادر العيدروسي.