وصبيته ، وداروا
برأسه في البلدان ، من فوق عامل السّنان ، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.
أيّها النّاس ، فأيّ رجالات منكم يسرّون
بعد قتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم أيّة عين منكم تحبس دمعها ، وتضنُّ عن
انهمالها؟ فلقد بكت السّبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسّماوات
بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، الملائكة
المقرّبون ، وأهل السّماوات أجمعون.
أيّها النّاس ، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟
أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا
يصمّ؟
أيّها النّاس ، أصبحنا مشرّدين مطرودين
مذودين شاسعين عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا
مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ،
إنّ هذا إلاّ اختلاق ، والله لو أنّ النّبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم
إليهم في الوصيّة بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ،
من مصيبة ما أعظمها وأفجعها وأكظّها وأفظّها وأمرّها وأفدحها ، فعند الله نحتسب ما
أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنّه عزيز ذو انتقام».
فقام إليه صوحان بن صعصعة بن صوحان
العبدي ، وكان زَمِناً واعتذر بما عنده من زمانة رجلَيه.
فأجابه (عليه السّلام) بقبول عذره وحُسن
الظن فيه ، وشكر له وترحّم على أبيه. ثمّ دخل زين العابدين (ع) المدينة بأهله
وعياله [١]
وجاء إليه إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقال : مَن الغالب؟ فقال (عليه السّلام) :
«إذا دخل وقت إلى الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب» [٢].