كالليث الغضبان فلا
يلحق أحداً إلاّ بعجه بسيفه فقتله ، والسّهام تأخذه من كلّ ناحية وهو يتّقيها
بصدره ونحره [١].
ورجع إلى مركزه يُكثر من قول لا حول ولا
قوة إلاّ بالله العظيم [٢].
وطلب في هذه الحال ماءاً فقال الشمر : لا تذوقه حتّى ترد النّار. وناداه رجل : ياحسين
ألا ترى الفرات كأنّه بطون الحيّات؟ فلا تشرب منه حتّى تموت عطشاً فقال الحسين (ع)
: «اللهمّ أمِته عطشاً». فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتى به فيشرب حتّى يخرج من
فيه ، وما زال كذلك إلى ان مات عطشاً [٣].
ورماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته
فنزعه وسالت الدماء على وجه فقال : «اللهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء
العصاة ، اللهمّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ، ولا
تغفر لهم أبداً». وصاح بصوت عال : «يا اُمّة السّوء ، بئسما خلفتم محمّداً في
عترته ، أما إنّكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله ، بل يهون عليكم ذلك عند
قتلكم إيّاي. وأيمَ الله ، إنّي لأَرجو أنْ يكرمني الله بالشهادة ، ثمّ ينتقم لي
منكم من حيث لا تشعرون».
فقال الحصين : وبماذا ينتقم لك منّا
يابن فاطمة؟ قال (ع) : «يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثمّ يصبّ عليكم العذاب
صبّا» [٤].
ولمّا ضعف عن القتال ، وقف يستريح ، فرماه
رجل بحجر على جبهته ، فسال الدم على وجهه ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه ، رماه
آخر بسهم محدّد له ثلاث شعب وقع على قلبه فقال (ع) : «بسم الله وبالله وعلى ملّة
رسول الله» ورفع رأسه إلى السّماء وقال : «إلهي إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس
على وجه الأرض ابن بنت نبيّ غيري».
[١] مثير الأحزان
للعلامة الشيخ شريف آل صاحب الجواهر (قدس سره).
[٣] مقاتل أبي الفرج ص
٤٧ طبعة ايران ، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٤ ص ٣٣٨. وحكاه في البحار ١٠ ص ٢٥٤ طبعة
كمبني ، عن أبي الفرج. وفي البحار ١٠ ص ٢٠٣ نقلاً عن المفيد ، والسيّد ابن طاووس ،
وابن نما : اشتد العطش بالحسين (ع) فقصد الفرات ، فحالوا بينه وبين الماء.