قال عبد الله بن عمّار بن يغوث : ما
رأيت مكثوراً قط ، قد قُتل ولده وأهل بيته وصحبه ، أربط جأشاً منه ولا أمضى جناناً
ولا أجرأ مقدماً ، ولقد كان الرجال تنكشف بين يدَيه إذا شدّ فيها ولَم يثبت له أحد
[١].
فصاح عمر بن سعد بالجمع : هذا ابن
الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، احملوا عليه من كلّ جانب. فأتته أربعة آلاف
نبلة [٢] ، وحال الرجال بينه
وبين رحله ، فصاح بهم : «يا شيعة آل أبي سفيان ، إنْ لَم يكن لكم دين وكنتم ولا
تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عرباً ،
كما تزعمون».
فناداه شمر : ما تقول يابن فاطمة؟ قال :
«أنا الذي اُقاتلكم ، والنّساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي
ما دمتُ حيّاً».
قال اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي
قد حان حيني وقد لاحت لوائحه
فقال الشمر : لك ذلك.
وقصده القوم واشتد القتال وقد اشتدّ به
العطش [٣] ، فحمل من نحو
الفرات على عمرو بن الحَجّاج ، وكان في أربعة آلاف ، فكشفهم عن الماء وأقحم الفرس
الماء فلمّا همَّ الفرس ليشرب قال الحسين (ع) : «أنت عطشان وأنا عطشان ، فلا أشرب
حتّى تشرب». فرفع الفرس رأسه كأنّه فهم الكلام ، ولمّا مدّ الحسين (ع) يده ليشرب
ناداه رجل : أتلتذّ بالماء وقد هُتكت حرمك؟! فرمى الماء ولَم يشرب ، وقصد الخيمة [٤].
أقول : إنّي لا أضمن صحّة هذا الحديث
المتضمّن ؛ لامتناع الفرس من الشرب ، ولرمي الحسين (ع) الماء من يده لمجرّد قول
الأعداء ، وهو العالم بأنّه مكيدة ، لكن خصائص هذا اليوم المختصّة بسيّد الشهداء
ومَن معه على أن يقضوا عطاشى خارجة عمّا نعرفه ، ولا سبيل لنا إلاّ التسليم بعد
أنْ كان الإمام (عليه السّلام) حكيماً في أفعاله وأقواله لا