ولمّا سمع الحرّ بن يزيد الرياحي كلامه
واستغاثته ، أقبل على عمر بن سعد وقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله
، قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي. قال : ما لكم فيما عرضه عليكم من
الخصال؟ فقال : لَو كان الأمر إليَّ لقبلت ، ولكن أميرك أبى ذلك. فتركه ووقف مع
النّاس ، وكان إلى جنبه قرّة بن قيس فقال لقرّة : هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، قال
: فهل تريد أن تسقيه؟ فظنّ قرّة من ذلك أنّه يريد الاعتزال ويكره أن يشاهده ، فتركه
فأخذ الحرّ يدنو من الحسين قليلاً ، فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل؟ فسكت
وأخذته الرعدة ، فارتاب المهاجر من هذا الحال وقال له : لَو قيل لي : مَن أشجع أهل
الكوفة؟ لَما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال الحرّ : إنّي اُخيِّر نفسي بين
الجنّة والنّار ، والله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو اُحرقت. ثمّ ضرب جواده نحو
الحسين [١]
منكّساً رمحه قالباً ترسه [٢]
وقد طأطأ برأسه ؛ حياءً من آل الرسول بما أتى إليهم وجعجع بهم في هذا المكان على
غير ماء ولا كلأ ، رافعاً صوته :
اللهمّ إليك اُنيب فتب عليَّ ، فقد
أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيّك. يا أبا عبدالله إنّي تائب ، فهل لي من توبة؟
فقال الحسين (ع) : «نعم يتوب الله عليك»
[٣]. فسرّه قوله وتيقّن
الحياة الأبديّة والنّعيم الدائم ، ووضح له قول الهاتف لمّا خرج من الكوفة ، فحدّث
الحسين (ع) بحديث قال فيه : لمّا خرجت من الكوفة نُوديت : أبشر يا حرّ بالجنّة.
فقلت : ويلٌ للحر
[٢] في البداية لابن
كثير ٧ ص ٦٣ : في واقعة اليرموك قال جرجه ، وهو من النصارى لخالد بن الوليد : ما
منزلة مَن يدخل منّا في هذا الأمر؟ قال خالد : له من الأجر أفضل ممّا لنا ؛ لأنا
صدقنا نبينا وهو حي بين أظهرنا يأتيه وحي السّماء ونرى الآيات ، ومَن يسلم منكم
وهو لَم يسمع ما سمعنا ولَم يرَ ما رأينا من العجائب والحجج وكان دخوله في هذا الأمر
بيّنة صادقة ، كان أفضل منّا. فعند ذلك قلب جرجه الترس ومال مع خالد وقال : علِّمني
الإسلام ....
وفي أنساب الأشراف
للبلاذري ١ ص ٤٢ ، طبعة دار المعارف ، مصر : كان العرب إذا خافوا ووردوا على من
يستجيرون به وجاؤا للصلح نكسوا رماحهم. وقال في صفحة ٤٣ : وفد الحارث بن ظالم على
عبد الله بن جدعان بـ (عكاظ) وهم يرون حرب قيس ، فكذلك نكّس رمحه ثمّ رفعه حين
عرفوه وأمن.