فوقع نافع على قدمَيه
يقبّلهما ويقول : ثكلتني اُمّي ، إنّ سيفي بألف وفرسي مثله ، فوالله الذي مَنّ بك
عليَّ ، لا فارقتك حتّى يكلاّ عن فرّي وجرّي.
ثمّ دخل الحسين (ع) خيمة زينب ، ووقف
نافع بإزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له : هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟
فإنّي أخشى أنْ يسلّموك عند الوثبة.
فقال لها : «والله ، لقد بلوتهم فما
وجدت فيهم إلاّ الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنيّة دوني استيناس الطفل إلى محالب
اُمّه».
قال نافع : فلمّا سمعتُ هذا منه ، بكيتُ
وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن اُخته زينب.
قال حبيب : والله ، لو لا انتظار أمره
لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة. قلت : إنّي خلّفته عند اُخته وأظنّ النّساء أفقن
وشاركنها في الحسرة ، فهل لك أنْ تجمع أصحابك وتواجهوهنّ بكلام يطيّب قلوبهن؟ فقام
حبيب ونادى : يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة. فتطالعوا من مضاربهم كالاُسود
الضارية ، فقال لبني هاشم : ارجعوا إلى مقرّكم لا سهرت عيونكم.
ثمّ التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده
وسمعه نافع ، فقالوا بأجمعهم : والله الذي مَنّ علينا هذا الموقف ، لو لا انتظار
أمره لعاجلناهم بسيوفنا السّاعة ، فطب نفساً وقر عيناً. فجزّاهم خيراً.
وقال هلمّوا معي لنواجه النّسوة ونطيّب
خاطرهنّ ، فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح : يا معشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم
فتيانكم آلَوا ألاّ يغمدوها إلاّ في رقاب مَن يريد السّوء فيكم ، وهذه أسنّة
غلمانكم أقسَموا ألاّ يركزوها إلاّ في صدور مَن يفرّق ناديكم.
فخرجن النّساء إليهم ببكاء وعويل وقلن :
أيّها الطيّبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين.
[١] الدمعة الساكبة ص
٣٢٥ ، وتكرّر في كلامه (هلال بن نافع) وهو اشتباه فإنّ المضبوط (نافع بن هلال) كما
في زيارة الناحية ، وتاريخ الطبري ، وكامل ابن الأثير.