يسيرون إذ سُمِعَ
الحسين يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين» وكرّره.
فسأله علي الأكبر عن استرجاعه ، فقال : «إنّي خفقتُ برأسي ، فعنَّ لي فارس وهو
يقول : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمتُ أنّها أنفسنا نُعيت إلينا». فقال
علي الأكبر : لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحق؟ قال : «بلى والذي إليه مرجع
العباد» ، فقال : يا أبت ، إذن لا نبالي أنْ نموت محقين. فقال (ع) : «جزاك الله من
ولد خير ما جزى ولداً عن والده» [١].
ولم يزل الحسين يتياسر إلى أن انتهى إلى
نينوى [٢] وإذا راكب على نجيب
وعليه السّلاح فانتظروه ، وإذا هو رسول ابن زياد إلى الحرّ ، معه كتاب يقول فيه : جَعجِع
[٣] بالحسين حين تقرأ
كتابي ، ولا تنزله إلا بالعراء على غير ماء وغير حصن.
فقرأ الحرّ الكتاب على الحسين فقال له :
«دعنا ننزل نينوى أو الغاضريات أو شفية». فقال الحرّ : لا أستطيع فإنّ الرجل عين
عليّ [٤].
قال زهير بن القين : يابن رسول الله إنّ
قتال هؤلاء أهون علينا من قتال مَن يأتينا من بعدهم ، فلَعمري ليأتينا ما لا قِبَل
لنا به ، فقال الحسين : «ما كنتُ أبدأهم بقتال». ثمّ قال زهير : ههنا قرية بالقرب
منّا على شطّ الفرات وهي في عاقول حصينة ، والفرات يحدق بها إلاّ من وجه واحد قال
الحسين : «ما اسمها؟» فقال :
وفي مقتل العوالم / ٤٨ : إنّ الحسين نام
القيلولة بالعذيب فرأى في منامه قائلاً يقول : تسرعون السير والمنايا تسرع بكم إلى
الجنة. وفي مقتل الخوارزمي ١ / ٢٢٦ : نزل الحسين الثعلبية ، ونام وقت الظهيرة ، فانتبه
باكياً فسأله ابنه علي الأكبر عن بكائه فقال : «يا بني إنّها ساعة لا تكذب فيها
الرؤيا ، وإنّي خفقت برأسي ...».
[٢] في مجلّة المقتبس
ج ١٠ من المجلد ٧ سنة ١٣٣٠ ـ : كانت من قرى الطف الزاهرة بالعلوم ، وصادف
عمرانها زمن الإمام الصادق (ع) ، وفي أوائل القرن الثالث لَم يبق لها خبر.
[٣] في مقاييس اللغة
لابن فارس ١ ص ٤١٦ : كتب ابن زياد إلى ابن سعد : أن جَعجِع بالحسين (ع). أراد به
الجئه إلى مكان خشن. وقال بعضهم : الجعجعة في هذا الموضع الازعاج. وذكر الأزهري في
تهذيب اللغة ١ ص ٦٨ : مادة (جع) هذا الكتاب وقال : معناه ضيّق عليه. وقال الأصمعي
: الجعجعة : الحبس. وأراد ابن زياد بقوله : جَعجِع به أي : احبسه. ومنه قول أوس بن
حجر (إذا جعجعوا بين الاناخة الحبس) ، وفي هامش ديوانه صدر البيت (كأنّ جلود النمر
جيبت عليهم).