ولستُ أدّخر النّصيحة
لأحد من الخلق إلا لك وأنت أحقّ بها ، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار
ما استطعت ، ثم ابعث برسلك إلى النّاس ، فإنْ بايعوك حمدتَ الله على ذلك ، وإنْ
اجتمعوا على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك ، وإنّي
أخاف عليك أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف النّاس بينهم فطائفة معك واُخرى
عليك فيقتتلون ، فتكون لأول الأسنّة غرضاً ، فإذا خيرُ هذه الاُمّة كلّها نفساً
وأباً واُمّاً ، أضيعها دماً ، وأذلّها أهلاً.
فقال الحسين : «فأين أذهب؟» ، قال : تنزل
مكّة فإنْ اطمأنّت بك الدار ، وإلا لحقت بالرمال وشعب الجبال وخرجت من بلد إلى آخر
حتّى تنظر ما يصير إليه أمر النّاس ، فإنّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حتّى
تستقبل الاُمور استقبالاً ولا تكون الأمور أبداً أشكل عليك منها حين تستدبرها
استدباراً [١].
فقال الحسين : «يا أخي ، لو لم يكن في
الدنيا ملجأ ولا مأوى ، لَما بايعت يزيد ابن معاوية» ،
فقطع محمّد كلامه بالبكاء.
فقال الحسين : «يا أخي ، جزاك الله
خيراً ، لقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة ، وقد تهيّأتُ
لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي أمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأمّا أنت فلا عليك أنْ
تقيم بالمدينة ، فتكون لي عيناً عليهم لا تخفي عنّي شيئاً من اُمورهم» [٢].
[٢] مقتل محمّد بن
أبي طالب ، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر ، واعتذر العلامة الحلّي في أجوبة
مسائل ابن مهنا بالمرض. في (أخذ الثأر) لابن نما الحلي ص ٨١ : أصابته قروح من عين
نظرت إليه ، فلم يتمكّن من الخروج مع الحسين (ع) ، وجلالة ابن الحنفية ومواقفه
المشهودة ، واعترافه بإمامة السّجاد (ع) لا يدع لنا إلا الاذعان بمشروعيّة تأخيره
عن هذا المشهد على الإجمال.