وممّا أرشدنا إليه هذا الدعاء ، محبوبيّة
ما تفعله الشيعة من بذل الأموال ؛ لإحياء أمر أئمّتهم (عليهم السّلام) في العزاء
والمواليد وغيرهما ، وإيثارهم بذلك على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.
وغير بعيد عنك معنى الإيثار ، فإنّه : ترجيح
الغير على النّفس ، إمّا بسد خلّته ، أو لتأييده في بلوغ اُمنيته ، أو لتكريمه.
وهو من الخصال الحميدة المنبعثة عن كرم الطباع ، ودماثة الأخلاق ، وطيب العنصر.
وقد مدح سبحانه وتعالى المتّصفين به ، فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ، وهي الحاجة والفقر وسوء الحال [١].
ولا إشكال في أنّ مَن اُريد إيثاره ، إذا
كان جامعاً لموجباته يكون الإيثار فيه آكد ، وأنت إذا أمعنت البصيرة في ذوي
الفضائل ، لا تجد من هو أحقّ بالإيثار من (عترة الوحي) ؛ لِما منحهم الباري سبحانه
من المرتبة الفاضلة ، ومبوَّءاً من الرفعة لا يسامى ، وأيادٍ على الاُمّة لابدّ أن
تكافأ ، وحقوقاً واجبة لا محيص عن أدائها.
فأيّ مُوالٍ لهم لا يؤثرهم على نفسه
وأهله وقرباه ، وهو يذعن بأنّ الأئمّة أسباب الفيوض الإلهيّة ، وهم المعلّمون
بالشريعة ، وكلّ ما في السّعادة للإنسان ، وفوزه بالرقي من أخلاق فاضلة ، وسياسة
حقّه ، وأحكام اجتماعيّة ، وتعاليم كافلة للنجاح.
مع ما لأئمّة الدِّين من جهود جبّارة ، دون
انتشال الاُمّة إلى ساحل النّجاة ، وإنقاذها من غمرات الهلكة حتّى أنّهم (عليهم
السّلام) آثروا ذلك بالحياة السّعيدة ، فضحّوا بنفوسهم ؛ لتقف الاُمّة على المحجّة
، أو ليدرأ عنها العذاب.
كما في حديث الإمام موسى بن جعفر (ع) أنّه
وقى بنفسه دون شيعته [٢]
مع
[٢] الحديث في أصول
الكافي بهامش مرآة العقول ١ ص ١٨٩ ، ونصه : «قال موسى بن جعفر (ع) : إنّ الله غضب
على الشيعة فخيّرني نفسي أو هم ، فوقيتهم والله بنفسي». قال المجلسي رحمه الله : «لعل
الغضب إنما هو لأجل تركهم التقية حتّى انتشر أمر إمامته ، فتردد الامر بين أن
يقتلهم الرشيد ، أو يحبس الإمام ويقتله ، فاختار البلاء لنفسه ، ووقى بذلك شيعته».