ملائكة السّماوات كما
جاء في زيارته ، ثمّ يتذكّر أنّ هذه التربة امتزج بها (دم المظلوم (ع» ، ودماء
الأزكياء من أهل بيته وصحبه (عليهم السّلام) ، الذين وصفهم أمير المؤمنين (ع) بـ «أنّهم
سادة الشهداء ، لا يسبقهم سابق ، ولا يلحقهم لاحق» كامل الزيارات / ٢٧٠ الباب ٨٨. وبالطبع
يحتدم قلب الموالي لهم ، وتهمل عينه ، ويحترق فؤاده ، ويتباعد عن كلّ من أورد
عليهم العدوان ، ومَن سار على إثره ومَن أسس له. ويتجلّى له أنّ هذه النّهضة
الجبّارة حطّمت هياكل الجور. كما عرّفت الأجيال المتعاقبة استهانة أهمّ الذخائر ، وأعزّ
الأنفس في تأييد العقيدة. ومثل الأمر بالسّجود على التربة الحسينيّة أمرهم (عليهم
السّلام) بالتسبيح في خرز معمولة منها ؛ تحقيقاً لتلك الغاية الثمينة ، وهذه
الغايات ألمع إليها أهل البيت (ع) وإنْ لم تفهم الاُمّة أسرارها الدقيقة.
وتجاهلُ غيرنا علينا بالابتداع والضلال
ناشئ عن الجهل بهذه الأسرار الحكيمة ، وعدم فهم حديث وحي السّماء «جُعلتْ ليَ
الأرضُ مَسجداً وطهُورا». وهذه القطعة المُعدّة للسجود عليها ترابٌ مزج بالماء
فجمد ، فهي من مصاديق الحديث المتّفق عليه.
تشريع الزيارة
إنّ مجتمعات الزيارة كمواسم جاء الحثّ
عليها ؛ حيث إنّ المَزور دعامة من دعائم الدِّين ومنار هداه ، ومنه تؤخذ التعاليم
، وتُدرس المعارف. فإذا ازدلف الزائرون إلى قبره من شتّى النّواحي ، وتعرّف كلٌّ
بالآخر ، وشاهد كلٌّ منهم ذلك الزحام المعجب ، والتهافت المتواصل ، والتهالك دون
ذلك المقصد الشريف ـ بما أنّ صاحب المشهد صاحب دعوة إلهيّة ، وداعية إلى سبيل ربّه
بالحكمة والموعظة الحَسنة ـ
عظم في عينه الشخص المَزور ونزعته
ودعوته ، وثلج صدره بذلك المنظر المبهج ، ورقّ له قلبه ، وثبت به يقينه. وبطبع
الحال ينجذب إلى تتبع تعاليمه ، ودرس أحواله ، واقتصاص أثره ، وتعرّف مظلوميّته ، إلى
ما هنالك من فوائد لا تحصى. وهناك معنى آخر ، وهو أنّ الزيارة تحكم رابطة الاخوّة
بين المؤمنين ، التي دعا إليها الكتاب المجيد (إِنّمَا المُؤمِنُونَ
إِخوَةٌ)
، فإنّ الزائرين باجتماعهم عند القبر ، وفي الطريق إليه يتبادلون المعروف
والمكافاة عليه ، ويتفاهمون في التوجيه نحو الدِّين الصحيح ؛