وروى جرير عنه (ص) أنّه (صلّى الله عليه
وآله) قال : «إنّي قارئ علكيم (ألهاكم التكاثر) ، مَن بكى فله الجنة ، ومَن تباكى
فله الجنة» [١].
وحدّث أبو ذر الغفاري عن النّبي (ص) ، أنّه
قال : «إذا استطاع أحدكم أن يبكي ، فليبكِ ، ومَن لم يستطع ، فليستشعر قلبه الحزن
وليتباكَ ، فإنّ القلب القاسي بعيد من الله» [٢].
وهذه الأحاديث تدلّنا على أنّ التباكي
منبعث عن حزن القلب ، وتأثّر النّفس كالبكاء ، لكن في باب الرهبة منه سبحانه
وتعالى يكون الحزن والتأثّر ؛ لأجل تصوّر ما يترتّب على مخالفة المولى من الخزي في
الآخرة ، فيتباعد عنه ، ويعمل ما يقرّبه من المولى زلفة. وفي باب تذكّر مصائب آل
الرسول (ص) ، يستوجب بغض مَن ناوأهم ، وأوقع بهم ، وأساء إليهم.
ولعلّ ما أشرنا إليه ، هو مراد الشيخ
محمّد عبده ، فإنّه قال : التباكي : تكلّف البكاء لا عن رياء [٣].
ويقول الشريف الجرجاني : باب التفاعل
أكثره إظهار صفة غير موجودة ، كالتغافل والتجاهل والتواجد. وقد أنكره قوم ؛ لِما
فيه من التكلّف والتصنّع ، وأجازه قوم لِمن يقصد به تحصيل الصفة. والأصل فيه ، قوله
(صلّى الله عليه وآله) : «إن لمْ تبكوا فتباكَوا» ، أراد به : التباكي ممّن هو
مستعدّ للبكاء ، لا تباكي الغافل اللاهي [٤].
فالباكي والمتباكي مشتركان في احتراق
القلب ، وتأثّر النّفس ؛ لأجل تصوّر ما ورد من الظلم على أهل البيت (ع) ، ومشتركان
في لازمه ، وهو النفرة والتباعد عن كلّ مَن دفعهم عن مقامهم.
ومَن لا يفقه مغازي كلام المعصومين (عليهم
السّلام) ، يحكم بالرياء على المتباكي. وبعدما أوضحنا من السّر تعرف قيمة البلاغة
وقدر البلغاء.
وكم لأهل البيت (عليهم السّلام) من أسرار
غامضة ، لا يقف عليها إلا من