بقي شيء وهو أنّ عوام المسلمين يزعمون
أنّ الروح لاتأمر بالشر بل تأمر بالخير دائماً وأما النفس فهي تأمر بالخير والشر ،
ولعلّ وجه هذا الزعم أنّ القرآن اسند الشر الى النفس ولم يسنده الى الروح ، لكن
القرآن لم يفصل القول في الروح الانسانية كما عرفت ، وما تقدم من الاحاديث
المعتبرة يكفي في ضعف الزعم المذكور. وبالجملة : هما مفهومان لمصداق واحد كما
عرفت.
وأما الكلام في الجهة الثالثة ـ وهي
دلالة العلم على وجود الروح ـ فهو طويل نقتصر فيه هنا على كلام بعض الفضلاء فقط
حتى لا يطول بنا المقام :
والمادة التي يتكون منها الدماغ هي عين
المادة التي تنشأ منها بقية اعضاء الجسد ونوع الحياة الذي يتسبب في نشؤ الجميع
واحد ، فان اصل الجنين خلية واحدة ثم تتكثر ، وعليه يلزم ان تكون الوظائف التي
تقوم بها مختلف اعضاء الجسم من جنس واحد دون اختلاف تخصصاتها ، وهي وظائف غير
إرادية ولا فكرية ، لاَنها اللارادة ، ويستحيل بحسب سنن الكون وموجوداته ان يتولد
ـ بصورة آليةـ المريد غير المريد والمفكر من غير المفكر. وماقيل من ان الارادة
والفكر والشعور وغيرها من الاَنشطة الانسانية الاختيارية انما تنشأ من الدماغ
نتيجة تفاعلات كيميائية وفيزيائية ، غير صحيح ، فان كل تفاعل لابد له من عامل فهو
ان كان خارجياً يلزم استناد إرادته وافكاره ومشاعره المختلفه غير اختيارية له ، مع
ان الماديين لم يستطيعوا ـ ولن يستطيعواـ ولا مرة واحدة ان يضعوا العناصر
والمركبات في انابيب الاختبار ثم يدفعونها بالتأشيرات المعنوية بدلاً من العوامل
المادية المعهودة.