أحدهما : طلب
الفعل مع عدم الرضا بالترك ، أو كون الفعل مطلوب الحصول ممنوع الترك.
وثانيهما : جعل
الفعل بحيث يستحقّ فاعله المدح والثواب وتاركه الذمّ والعقاب ، أو كونه بحيث
يستحقّ فاعله المدح والثواب وتاركه الذمّ والعقاب.
والظاهر بقرينة ما
سبق في تحرير محلّ النزاع ـ مضافة إلى شهادة عبائرهم تصريحا وتلويحا ـ كون المراد
هاهنا هو المعنى الثاني لا المعنى الأوّل [١] لأنّه من لوازم
الشرع إن كان العبرة في مفهومه بتحقّق استحقاق الثواب والعقاب ، أو من لوازم
العلوّ وغيره من سائر خصوصيّات المقام إن كان العبرة باستحقاق المدح والذمّ وليس
ذلك من ما يناسب الوضع اللغوي ، وإنّما المناسب له هو المعنى الأوّل عرفا
واعتبارا.
والمفروض أنّ
المقصود بالبحث في المسألة إنّما هو إثبات الوضع للصيغة لغة ـ كما تقدّم بيانه
مشروحا ـ ويشهد بذلك زيادة على ما مرّ قول المصنّف : « بحسب اللغة » فإنّ ذلك صريح
في أنّ النزاع إنّما هو في وضع الصيغة بحسب اللغة من دون نظر إلى الخصوصيّات
الملحوظة في موارد الإطلاقات من جهة المتكلّم أو المخاطب أو مقام التخاطب ، كما
يشهد به أيضا ما عن العدّة من أنّ هذه الصيغة الّتي هي قول القائل « افعل » وضعها
أهل اللغة لاستدعاء الفعل ، وخالفوا بين معانيها باعتبار الرتبة فسمّوها إذا كان
القائل فوق المقول له « أمرا » وإذا كان دونه « سؤالا » و « طلبا » و « دعاء »
ومتى استعملوها في غير استدعاء الفعل كما في التهديد نحو (
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ )[٢] وقوله : ( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ )[٣] وفي الإباحة نحو ( وَإِذا حَلَلْتُمْ
فَاصْطادُوا )[٤] و ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا )[٥] ـ إلى قوله ـ : وما أشبه ذلك من الوجوه كانت مجازا خارجة عن باب ما وضعت
له.
فبما قرّرناه
يندفع ما يعترض على قوله : « حقيقة في الوجوب بحسب اللغة » بأنّ الوجوب عبارة عن
كون الفعل ممّا يترتّب على تركه استحقاق الذمّ أو العقاب كما هو المعنى المصطلح ،
وهو من الامور العقليّة أو الشرعيّة التابعة لملاحظة حال الآمر مع المأمور في وجوب
طاعته واستحقاق الذمّ أو العقاب على مخالفته ، فهو من اللواحق الطارئة على
[١] كذا في الأصل ،
ولكن ينبغي أن تكون العبارة هكذا : « كون المراد هاهنا هو المعنى الأوّل دون
الثاني » نظرا إلى السياق.