وأمّا البناء على
الاستحباب من جهة ضعف الرواية وقصورها عن إثبات الوجوب للتسامح في أدلّة السنن
فممّا لا ربط له بالمقام ، وكذا حمل الرواية على الندب عند التعارض بمجرّد ترجيح
إعمال الدليلين على طرح أحدهما من غير أن يحصل هناك فهم عرفي يقضي بذلك [ كما ذهب
إليه البعض ] فذكر ذلك في المقام ليس على ما ينبغي ، لوضوح خروجه عن محلّ الكلام ،
إذ ليس شيء من ذلك قرينة متّصلة ولا منفصلة على إرادة الندب من اللفظ.
والمفروض في كلام
المصنّف شيوع استعمال الأوامر في الندب ، وأين ذلك ممّا ذكر.
فأجاب عنه [١] ذلك الفاضل أوّلا : بأنّ المعتبر في الغلبة الباعثة على الوقف أو الصرف هو ما
إذا كانت قاضية بفهم المعنى المجازي مع الإطلاق ، وكونه في درجة الظهور مكافئا
للمعنى الحقيقي حتّى يتردّد الذهن بينهما أو يكون راجحا على معناه الحقيقي ، وحصول
ذلك في أخبارهم [ عليهمالسلام ] غير ظاهر ، بل من الظاهر خلافه ، إذ الظاهر أنّ الأوامر
الواردة عنهم على نحو سائر الأوامر الواقعة في العرف والعادة ، والمفهوم منها في
كلامهم هو المفهوم منها في العرف.
ويشهد له ملاحظة
الإجماع المذكور في كلام السيّد وغيره ، فإنّه يشمل كلام الأئمّة عليهمالسلام ، وملاحظة طريقة العلماء في حمل الأوامر على الوجوب كافية في ذلك ، ولم نجد
الدعوى المذكورة في كلام أحد من متقدّمي الأصحاب مع قرب عهدهم ووفور اطّلاعهم [٢].
ومع الغضّ عن ذلك
، فالشهرة المدّعاة إمّا بالنسبة إلى أعصارهم عليهمالسلام ليكون اللفظ مجازا مشهورا في الندب عند أهل العرف في تلك
الأزمنة ، أو بالنسبة إلى خصوص الأوامر الواردة عنهم عليهمالسلام فيكون مجازا مشهورا في خصوص ألسنتهم عليهمالسلام دون غيرهم.
وعلى الثاني فإمّا
أن يكون الشهرة حاصلة بملاحظة مجموع أخبارهم المأثورة عنهم عليهمالسلام ، أو بملاحظة الأخبار المرويّة عن بعضهم ، أو بالنسبة إلى كلام كلّ واحد منهم
ليكون الاشتهار حاصلا في كلام كلّ واحد منهم استقلالا.
[٢] هكذا عقيب تلك
العبارة في هداية المسترشدين : « بل لم نجد ذلك في كلام أحد ممّن تقدّم على
المصنّف ، ولو تحقّقت الغلبة المذكورة لكان أولئك أولى بمعرفتها. فاتّفاقهم على
حملها على الوجوب كاشف عن فساد تلك الدعوى ، بل في بعض الأخبار الواردة عنهم عليهمالسلام دلالة على خلاف ذلك
حسب ما مرّت الإشارة إليه » ولعلّ المصنّف رحمهالله
أسقطها تلخيصا والله العالم.