سبيل التفصيل ،
ولا يخفى أنّه بريء عن إرادة هذا المعنى ، وعبارته تأبى عن إفادته ، كيف وهو يقول
: ـ في ذيل العبارة ـ : « ولكن لا نعرفه بالتفصيل إلاّ من قوله تعالى : ( وحرّمت
... الخ ) فإنّه تصريح بأنّ الحاصل من الأدلّة التفصيليّة هو العلم على سبيل
التفصيل ، فيكون هو المراد من جنس الحدّ ، ومعه كيف يورد عليه بنحو ما ذكر ، خصوصا
بعد ملاحظة ما في العبارة أيضا من التصريح بأنّ العلم الإجمالي إنّما يحصل من
الامور الإجماليّة كالبداهة ونحوها ، كما في قوله : « فإنّا نعلم بديهة أنّ لأكل
الميتة وأكل الربا وغيرهما حكما من الأحكام ... الخ ».
فالتحقيق : في
معنى العبارة أنّه يريد بها ما يندفع معه الإشكال المعروف ، مع ما أورده هو سابقا
على طريقة الأشاعرة في جوابهم المتقدّم من استلزامه خروج الكتاب عن كونه دليلا في الاصطلاح.
ومحصّل مرامه :
أنّه يعتبر في الأحكام قبل النظر في الأدلّة كونها معلومات بالإجمال ، ليكون النظر
في الأدلّة الّتي منها الكتاب مسبوقا بالدعوى والعلم الإجمالي بالمدّعى ، فلا يخرج
الكتاب عن كونه دليلا في الاصطلاح ، ولمّا كانت المعلومات بالإجمال الّتي يستفصل
من الأدلّة من مقولة المعاني فلا يتّحد المدلول مع دليله الّذي هو الكتاب وإن عبّر
عنه بالخطاب ، مع كون الكتاب أيضا خطابا لتغائر الخطابين ، بكون أحدهما من مقولة
اللفظ والاخر من مقولة المعنى.
نعم يتوجّه إليه
إنّ ما ذكره الأشاعرة أيضا على ما قرّرناه سابقا [١] يرجع إلى هذا المعنى ، فلا وجه للاعتراض عليهم بما مرّ من خروج الكتاب عن
كونه دليلا في الاصطلاح ، وإن فسد ما صاروا إليه من اعتبار هذا المدلول كلاما
نفسيّا.
وقد يجاب عن شبهة
الاتّحاد : بأنّ المراد بخطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين مدلول الخطاب لا نفسه
على طريقة الإضمار ، بدليل أخذ المتعلّق وصفا له ، مضافا إلى قيد حيثيّة «
الاقتضاء والتخيير » فإنّ الّذي يتعلّق بفعل المكلّف مدلول الخطاب