ولعلّ النظر في
ذلك إلى أنّ الحرارة المترتّبة على النار كما أنّها تستلزم تعبا وشدّة وألما ،
والبرودة المترتّبة على الماء كما أنّها تستلزم سكونا وراحة ولذّة ، فكذلك
التأثيرات المترتّبة على الحروف الناريّة من التفريق والعداوة والهلاكة ،
والتأثيرات المترتّبة على الحروف المائيّة من التحبيب والجمع ونيل الامال تستلزم
هذه الامور كما لا يخفى ، فليست الألفاظ ذوات طبائع بالمعنى الّذي يعتبر في
العناصر وما يتركّب منها.
وثانيتها
: كون المعاني
بأجمعها ذوات طبائع ، وهذه أيضا في محلّ المنع لوضوح أنّ أكثر المعاني المتداولة
في المحاورة من مقولة الأعراض ، من الأفعال والكيفيّات والكمّيّات والإضافيّات
كالفوقيّة والتحتيّة والاعتباريّات والفرضيّات ولا يعقل لها طبائع تقتضي ما تقدّم
من مقتضيات العناصر.
وثالثتها
: حصول التناسب بين
طبائع الألفاظ وطبائع المعاني ، على معنى كون طبيعة معنى كلّ لفظ مناسبة لطبيعة
حروف ذلك اللفظ ، وهذه أيضا موضع منع ، ويكفي في سنده ملاحظة الألفاظ الأربع
الموضوعة للعناصر الأربع ، فإنّ في لفظ « النار » ليس من الحروف الناريّة إلاّ حرف
واحد ، وأمّا « الهواء » فليس فيه شيء من الحروف الهوائيّة ، ولا في « الماء » شيء
من الحروف المائيّة ، ولا في « الأرض » شيء من الحروف الأرضيّة.
ورابعتها
: كون التناسب على
فرض حصوله في قاطبة الألفاظ والمعاني ممّا لاحظه الواضع ، واعتبره وأوجد الوضع في
الكلّ لأجله ، وهذا أيضا واضح المنع.
وربما ينزّل القول
بالمناسبة أيضا على ما عليه أئمّة الاشتقاق والتصريف ، كما عن السكّاكي من أنّ
للحروف بأنفسها خواصّ بها تختلف ، كالجهر والهمس والشدّة والرخاوة والتوسّط بينهما
وغير ذلك ، وتلك الخواصّ تقتضي أن يكون العالم بحالها إذا أخذ في تعيين شيء مركّب
منها لمعنى لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحقّ الحكمة « كالفصم » بالفاء الّذي هو
حرف رخوة لكسر الشيء من غير أن يبيّن و « القصم » بالقاف الّذي هو حرف شدّة لكسر
الشيء حتّى يبيّن ، وأنّ