عن عبّاد بن
سليمان الصيمري وأهل التكسير وأوائل المعتزلة أنّ بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتيّة
، وأطبق أصحابنا وغيرهم من المحقّقين على بطلانه ، فقالوا ليس بين اللفظ ومدلوله
مناسبة ذاتيّة تقتضي اختصاص اللفظ بالمعنى في الدلالة.
وتحرير المقام على
وجه ينكشف به محلّ الكلام ، أنّه لا إشكال في اختصاص كلّ لفظ بمعناه وتعيّنه له ،
كما لا إشكال في دلالته عليه حيثما اطلق والاختصاص مع الدلالة على ما يختصّ به
اللفظ من المعنى ، كأنّهما متلازمان بحسب الخارج ومعلولان لعلّة مشتركة بينهما ،
وهذا كلّه ممّا اتّفق عليه الفريقان وإنّما اختلفوا في تعيين هذه العلّة المشتركة
، فالعبّاد وأصحابه على أنّها المناسبة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى لا غير ، وغيره
على أنّها الوضع بمعنى الجعل والتعيين لا غير.
وهذا هو المستفاد
من كلماتهم في صريح عنواناتهم للمسألة ، وتعبيراتهم عن القولين فيها.
وأمّا ما يتراءى
عن بعض العبارات في حكاية مذهب عبّاد ومن تبعه ، من أنّه يجعل وضع الألفاظ
لمعانيها للمناسبات الذاتيّة بينهما ، على معنى أنّه بعد اعترافه بثبوت الوضع
يجعله تابعا لها ، فلعلّه لا ينافي ما ذكرناه إن اريد « بالوضع » ما هو صفة اللفظ
أعني التعيّن والاختصاص ، فإنّه كما عرفت على القول بالمناسبة الذاتيّة من اثار
المناسبة ، كما هو مقتضى كونها علّة فلا اختلاف في نقل هذا المذهب كما توهّم.