فإنّ الكذب إنّما
يلزم بإرادة الحقيقة حين إقامة الدلالة على المجاز ، ولا ركاكة في نوع المجاز بل
فيه من الحسن والبلاغة في غالب موارده ما ليس في الحقيقة ، والإتيان به غير مقصور
على العجز عن الحقيقة ، وخفاء القرينة بتقصير المكلّف عن المراعاة أو بواسطة
العوارض الخارجة لا يوجب قبحا على الحكيم ، ووجود معنى المتجوّز فيه تعالى غير
ممنوع ، وهو لا يوجب جواز إطلاق لفظه لوجود المانع أو فقد المقتضي ، لمكان
توقيفيّة أسمائه تعالى ، وكلامه حقّ مستلزم للحقيقة بالمعنى المرادف للصدق لا
المقابل للمجاز.
الرابعة
: لا ريب في إمكان الواسطة فيما بين
الحقيقة والمجاز ، بأن يكون هناك لفظ
بالقياس إلى معنى ليس بحقيقة ولا مجاز ، فإنّ الحقيقة على ما تقدّم بالإضافة إلى
ما يصير من جهته من المعاني حقيقة تتضمّن الوضع والاستعمال ، والمجاز بالإضافة إلى
ما يصير من جهته من المعاني مجازا يتضمّن العلاقة والاستعمال ، فأمكن الخلف بين
الوضع والاستعمال في الأوّل ، وبين العلاقة والاستعمال في الثاني ، وقضيّة ذلك
تحقّق صور من اللفظ تخلّفت عن الحقيقة والمجاز :
إحداها : لفظ وضع
ولم يستعمل في الموضوع له.
وثانيتها : لفظ
لمعناه الموضوع له مناسب لم يستعمل فيه ، وهذا هو الّذي قد يعبّر عنه بالمجاز
الشأني.
وثالثتها : لفظ
مستعمل في غير مناسب لمعناه الموضوع له من غير وضع له بإزائه ، وهذا هو الّذي
يعبّر عنه « بالغلط » لكنّ العلاّمة في النهاية [١] لم يتعرّض إلاّ للصورة الاولى ، مع تصريحه بأنّه يندر ، بل لا يوجد لانتفاء
معظم فوائد الوضع.
وأمّا ما عن فخر
الدين [٢] من أنّ دلالة اللفظ قد لا تكون حقيقة ولا مجازا ، فلعلّه
ناظر إلى الصورة الأخيرة ، نظرا إلى أنّ الدلالة مسبوقة بالاستعمال ، ولا يعقل
انتفاء الوصفين مع وقوع الاستعمال إلاّ بانتفاء لازميهما من الوضع والعلاقة ،
لكنّه
[١] نهاية الوصول
إلى علم الاصول : الورقة ٢٦ ( مخطوط ).