وأمّا ما في كلام
بعض الفضلاء [١] من دفع الإشكال بأنّ الامور المذكورة إنّما يبحث عنها
باعتبار وقوعها في الكتاب والسنّة ، فعند التحقيق ليس موضوع مباحثهم مطلق تلك
الامور بل المقيّد منها بالوقوع في الكتاب والسنّة. ولا يقدح في ذلك بيانهم لوضعه
اللغوي والعرفي ، إذ المقصود بيان مداليل تلك الألفاظ بأيّ وجه كان.
فليس بسديد جدّا
إلاّ أن يرجع إلى ما قرّرناه من اعتبار جهتين مجتمعتين في موضوع هذا العلم هو
موضوع مباحثهم ، أحدهما يقتضي التخصيص الّذي لا يتأتّى إلاّ بأخذ الإضافة إلى
الكتاب والسنّة الّتي هي بعينها إضافة إلى الشارع ، واخرهما تقتضي التعميم الّذي
لا يتأتّى إلاّ بإلغاء تلك الإضافة ، ولا يخفى ما في العبارة حينئذ من القصور عن
إفادة هذا المعنى.
وثانيها : أنّ
موضوع هذا العلم إذا كان « الأدلّة » فلا يرتبط به جملة من مسائله ، كحجّية الكتاب
وخبر الواحد وغيرهما من مباحث الحجّية ، فإنّ ذلك بحث عن حال ما ليس بدليل ، ضرورة
أنّ الغرض بالبحث إثبات الدليليّة ولا يلتئم ذلك إلاّ بفرض موضوع المسألة ما ليس
له وصف الدليليّة ، فلا يرتبط بموضوع العلم.
ومن هنا اضطربت
كلمتهم في التفصّي عن الإشكال ، فهم بين جماعة التزموا بخروج هذه المباحث عن مسائل
الفنّ بتوهّم دخولها في الاصول الكلاميّة ، ومنهم بعض الأعلام [٢] حيث إنّه بعد ما نقل عن بعضهم أنّه ذكر قولهم : الكتاب حجّة مثالا لما يكون
من المسائل موضوعه نفس موضوع العلم ، ردّه بقوله : ولا يرجع إلى محصّل ، إذ ذلك
معنى كونه دليلا ، والمفروض أنّا نتكلّم بعد فرض كونها « أدلّة » وهو خارج عن
الفنّ ، وبيانه ليس من علم الاصول كما لا يخفى ، بل هو من توابع الكلام. انتهى.
وبين فرقة جزموا
بكونها من مسائله بتكلّف اعتبار الموضوع ذات الدليل