واحتجّ من أنكر
العينيّة والاستلزام أيضا بلزوم وجوب المحرّم والمباح [١] ، وقد عرفت جوابه [٢].
وبأنّ النهي طلب
كفّ عن فعل يذمّ فاعله ، والأمر طلب فعل غير كفّ ، وطلب فعل هو كفّ لا يستلزم طلب
فعل غير كفّ [٣].
والجواب : ما
عرفته [٤] من استلزام الكفّ لفعل أحد الأضداد الوجوديّة.
فإن قيل : لو كان
الأمر بالشيء نهيا عن جميع أضداده ، والنهي عن الشيء أمرا بأحد أضداده ، كما اخترت
، فإذا فرض أضداده ثلاثة وما فوقها ، فالأمر بأحدها يستلزم النهي عن كلّ واحد من
الباقين ، والنهي عن كلّ واحد منها يستلزم الأمر بالآخر ، والأمر به يستلزم النهي
عن جميع ما يضادّه ، ومن جملته الضدّ الأوّل الذي كان مأمورا به ، فمن استلزام
النهي عن أحدهما للأمر بالآخر ، يلزم أن يكون الآخر منهيّا عنه ومأمورا به ، ومن
استلزام الأمر بالآخر النهي عن جميع ما يضادّه يلزم كون الضدّ الأوّل مأمورا به
ومنهيّا عنه ، وهو باطل.
والجواب : أنّ
استلزام النهي عن كلّ واحد منهما للأمر بالآخر غير مسلّم ؛ لأنّ النهي عن الشيء
يقتضي الأمر بأحد أضداده على سبيل التخيير ، فإذا انحصر أضداده بفردين واحد منهما
منهيّ عنه مثله ، يتعلّق الأمر بضدّه الآخر ، وهو الذي كان مأمورا به صريحا أيضا.
وإذا عرفت ذلك ،
فكيفيّة التفريع أنّه إذا ورد النهي عن فعل خاصّ ، كالزنا ، أو شرب الخمر يجب
تخييرا أن يرتكب المنهي لتحقّق الترك فعلا ينافي المنهيّ عنه.
المقام
السادس : في أنّ أمر
الندب يستلزم كراهة الضدّ العامّ ، ونهي الكراهة يستلزم استحباب الضدّ العامّ ،
وأحد الأضداد الخاصّة.
والحجّة على
الأوّل : توقّف فعل المندوب على الكفّ عن تركه ، فيكون الكفّ عن تركه راجحا ؛ لأنّ
ما يتوقّف عليه الراجح راجح ، فيكون نقيضه أعني تركه مرجوحا ، وهو المكروه.
[١]
قاله الغزالي في المستصفى : ٦٦ ، ونسبه الآمدي إلى الكعبي في الإحكام في أصول
الأحكام ٢ : ١٩٣.