فما قيل : « إنّ
إجراء أدلّة الوجوب فيها إذا وردت بعد الحظر غير ممكن ؛ لأنّه فرع فهم الطلب منها
وفرديّتها لمفهوم الأمر وليس كذلك » [١] ، فاسد ؛ لعدم ما
يخرجها عن الدلالة على الطلب ، والفرديّة لمفهوم الأمر. وأيضا أنّها بعد الحظر
العقلي للوجوب فكذا بعد الحظر الشرعي ؛ لعدم الفرق ، بل العقلي آكد.
احتجّ القائل
بأنّها للإباحة بغلبتها في الإباحة في عرف الشارع بحيث تتبادر منها عند الإطلاق ،
فتكون حقيقة فيها في عرفه ، فتتقدّم على الوجوب الذي هي حقيقة لغويّة فيه ؛ لتقدّم
عرفه على اللغة في الشرعيّات ، بل مجازيّتها في عرفه [٢].
والجواب : منع
الغلبة ؛ فإنّ المسلّم أنّ الشرع استعملها في مواضع في الإباحة ، كقوله تعالى : ( وَإِذا
حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا )[٣] و ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا )[٤] ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « كنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحيّ ... ألا فادّخروها
» [٥] ، وهي ـ مع استفادة الإباحة منها بالقرائن ـ معارضة بقوله
تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ )[٦] ، وقوله : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )[٧] ، فإنّ حلق الرأس بعد بلوغ الهدي محلّه واجب ، مع أنّه مأمور به بعد النهي
عنه ، وبأمر الحائض والنفساء بالعبادة بعد تحريمها عليهما.
واحتجّ القائل
بأنّها للندب باستعمالها فيه في كلام الشارع ، كقوله تعالى : ( فَإِذا
تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ )[٨]. وجوابه ظاهر.
واعلم أنّه قيل :
« إنّها بعد الحظر أو الكراهة لا تدلّ إلاّ على رفع المنع وهو كالإذن في الفعل
مشترك بين الوجوب والندب والإباحة للتبادر » [٩].